يمر المدير الفني لبرشلونة الإسباني، لويس إنريكي، بوضع لا يحسد عليه في ظل الإصابات التي تضرب فريقه منذ بداية الموسم، والتي كان آخرها تلك التي تعرض لها أندريس إنييستا وستبعده عن الملاعب قرابة شهر.
ويستعرض هذا التحليل كيف سيكون شكل الفريق في ظل غياب «الرسام»، ولكن لكي تتضح الرؤية لا مفر من إجراء مراجعة سريعة لكيفية لعب برشلونة منذ بداية تولي «إنريكي» لمهمة تدريب النادي الكتالوني مرورًا بإصابة الأرجنتيني ليونيل ميسي الأخيرة والبدائل التكتيكية التي أجراها.
- البداية والتعديل:
بدأ «إنريكي» مهمته كمدرب برشلونة برسم تكتيكي مختلف عما كان عليه الأمر في السنوات السابقة، حيث ترك «ميسي» مركز المهاجم الوهمي ليتحول لصانع ألعاب خلف رأسي الحربة، حيث كان لهذا الأمر تأثير أشبه بالدومينو مع بقية قطع اللعب، حيث أصبحت مهام الظهيرين الهجومية أكبر، الأمر الذي أجبر لاعبي الوسط على الجانبين تأخير مركزيهما للعمل على تغطيتهما عند اللزوم.
على الرغم من النتائج الطيبة في البداية إلا أن المنظومة كانت بها نقاط ضعف ظهرت في دوري الأبطال أمام باريس سان جيرمان، في المباراة التي احتضنتها العاصمة الفرنسية باريس، لذا دفن «إنريكي» فكرته المبدئية ومر الفريق بعدة مراحل متنوعة حتى توصل المدرب إلى ما يريد بعد هزيمة «أنويتا»، حيث عاد ميسي للانطلاق من مركزه الـ«نظري» أو على الورق كجناح أيمن، ولكنه كان منظم اللعب الحقيقي للفريق.
تمثلت اللمسة النهائية التي لم تسمح للفريق بإكمال المنافسة فقط بل وتحقيق الثلاثية في استعادة لاعبي الوسط على الجانبين لجزء من دورهما في تحريك اللعب، لخلق بدائل أكثر في عملية نقل الكرة، حيث كان إسهام «إنييستا» في هذا الأمر، بجانب تحول البرازيلي «ألفيش» ليلعب كلاعب وسط جانبي وهمي على الناحية اليمنى وليس كظهير، دورًا أساسيًا في هذا النجاح.
سمح هذا المركز الجديد لـ«ألفيش» في خلق حلول جديدة مع «ميسي» بجانب مساعدة «بوسكيتس» في نقل الكرة من الدفاع من الهجوم.
- الموسم الجديد:
بدأ الموسم الجاري وأدى انخفاض مستوى اللاعبين ككل نتيجة لعدم دخولهم في وتيرة المباريات، بجانب عدد من الإصابات لعدم تقديم الفريق لنفس النسخة الرائعة التي كان عليها بنهاية الموسم الماضي، خاصة في ظل غياب «ألفيش»، الذي عوضه سيرجي روبرتو، ذلك الفتى الذي قدم مستوى متميز، ولكنه لم يكن قادرًا على تشكيل نفس الثنائي المبدع الذي كان عليه «ميسي» والبرازيلي، حيث كانت الناحية اليمنى، كما سبق الذكر، هي محرك الإبداع في ثلاثية البرسا.
مع عودة «ألفيش» كانت الأمور تبدو أفضل وأنها ستسير بطريقة تدريجية نحو نموذج اللعب الذي اكتسح الجميع الموسم الماضي، ولكن ظهرت إصابة «ميسي» التي ستبعده عن الملاعب قرابة شهرين، الأمر الذي وضع «إنريكي» في أزمة جديدة لأن «ميسي»، بخلاف كونه أفضل لاعب في العالم في 4 مناسبات، يمكن اعتباره أشبه بمنظومة لعب الفريق تقريبًا.
- الخيارات وتأثير إصابة «إنييستا»:
كان الخيار الأول المنطقي هو مواصلة اللعب بنفس الطريق مع الحفاظ على نفس آليات اللعب، ولكن اللاعب الوحيد الذي كان يمكنه تقديم شيء مشابه لما يقدمه «ميسي» في الناحية اليمنى، مع وجود فارق هائل بالطبع، هو «رافينيا»، ولكن الأخير لم يكن متاحًا بسبب الإصابة.
الخيار الثاني كان يتمثل في الحفاظ على المنظومة، ولكن مع تبديل الأدوار بين الجانبين، فبدلًا من صناعة اللعب من الناحية اليمنى «ميسي- ألفيش»، لإجبار الخصم على الانتباه لها مما يفرغ مساحات للاختراق من اليسار «نيمار-ألبا»، سيتم صناعة اللعب من اليسار «نيمار-إنييستا» للاختراق من اليمين، «ساندرو أو منير الحدادي-راكيتيتش».
كانت هذه فكرة «إنريكي» في مواجهة باير ليفركوزن الأخيرة بدوري أبطال أوروبا، ولكن هذه الخطة غير قابلة للاستخدام في المباريات المقبلة لأنه، بغض النظر عن تفوق باير ليفركوزن خلال الشوط الأول على البرسا، فإن إصابة «إنييستا» تركت النادي الكتالوني دون لاعب وسط جانبي قادر على مشاركة نيمار في توليد وصناعة اللعب من اليسار.
أمام هذا السيناريو لجأ «إنريكي» للعودة للنظام الذي خاض به مبارياته الأولى، لقيادة السفينة الكتالونية واللعب بخطة «4-3-1-2» ليتولى أكثر لاعبي الفريق قدرة على الإخلال بدفاعات الخصوم في اللحظة وهو «نيمار» دور «ميسي» كصانع ألعاب خلف رأسي الحربة، مع تقدم الظهيرين للأمام في ظل وجود لاعبي وسط جانبين يتمتعان بقدرة على الركض أكثر من الإبداع.
- مشكلات في الفريق:
ومن الضروري عرض بعض الصعوبات التي واجهت برشلونة «إنريكي» منذ الموسم الماضي، قبل الوصول للنقطة الأهم، وهي كيف سيكون شكل الفريق بعد إصابة «إنييستا» خلال الفترة المقبلة.
تمثل العيب الأول في وجود هشاشة مقلقة بوسط الملعب، حيث أن تغطية لاعبي الوسط الجانبيين لصعود الظهيريين كان يتسبب في زيادة المساحة بينهما مما كان يؤثر بالطبع على مشاركتهما في صناعة اللعب، بجانب تسبب هذا الأمر في ترك «بوسكيتس» معزولًا بقلب وسط الملعب وغير قادر في بعض الأحيان على احتواء النقلات الهجومية للخصوم عند فقد الكرة.
المشكلة الأخرى تتمثل في ضعف «ماسكيرانو» كقلب دفاع، فعلى الرغم من تميزه في عنصري الاستباق وقطع الكرة بعيدًا عن المرمى إلا أنه كثير الأخطاء بالقرب منه، وبالأخص عند تشتيت العرضيات، فيما أن المشكلة الثالثة تتمثل عامة في سهولة النيل من الفريق بالألعاب الهوائية والكرات الثابتة.
- برشلونة دون «إنييستا»:
سيؤدي غياب عنصري الإبداع الرئيسيين «ميسي وإنييستا» لوجود مشاكل أكبر في مواجهة الدفاعات المغلقة، حيث أن الفريق أمام عدم قدرته على خلق مساحات عن طريق اللاعب سيضطر إلى ايجادها عن طريق ترك المنافس يلعب بخطوط متقدمة، وهو الأمر الذي سيؤدي للعب برشلونة على غير العادة دون خط دفاع متقدم وتسريع النقلات الهجومية دون طبخها على الهادىء.
بمعنى آخر سيعيش الفريق خلال فترة إصابة «إنييستا» وأيضًا «ميسي»، في إطار لم يعتد عليه كثيرًا، ففي النهاية هما أكثر لاعبيه إبداعًا وما فقده البرسا يمينًا وظن أن «الرسام» سيعوضه بشكل ما يسارًا كما سبق شرحه في المعادلة السابقة سيصعب تعويضه ويتطلب الكثير من التعديلات.
سيكون محور الدفاع الأمثل بالنسبة لبرشلونة مكونًا من «بيكيه» و«فيرمايلين»، ولكن الأخير مصاب على الرغم من المستوى الطيب في بداية الموسم، لذا فإن «إنريكي» سيتوجب عليه الاختيار بين «ماثيو» و«بارترا» لمزاملة اللاعب الكاتالوني المشاغب.
ما الذي يعاني منه برشلونة؟ الألعاب الهوائية، لذا فإن «ماتيو» هو الخيار الأمثل لتميزه فيها، بجانب كونه أفضل في مسألة بدء اللعب من الخلف عن «بارترا»، وهو أمر سيحتاجه النادي الكتالوني في ظل عدم اللعب بخط دفاع متقدم، فيما أن الجانب الأيسر محجوز ودون نقاش لجوردي ألبا.
سيكون أمام «إنريكي» خيارين في مركز الظهير الأيسر: سيرجي روبرتو وداني ألفيش وكلاهما مميز، ولكن الأفضل بالنسبة للفريق سيكون الدفع بـ«روبرتو» والاستفادة من البرازيلي بطريقة أخرى سيأتي ذكرها لاحقًا.
بالنسبة لخط الوسط فإن وجود «ماتيو» و«بيكيه» كقلبي دفاع سيدفع بماسكيرانو كلاعب ارتكاز بسبب قدرته على تدمير لعب المنافس من هذا المركز، كما يفعل مع المنتخب الأرجنتيني، وهو الأمر الذي سيؤدي بالتبعية لتحريك «بوسكيتس» للأمام ليلعب كلاعب وسط جانبي أيسر مكان «إنييستا» ليكون الوصلة بين الدفاع والهجوم والاستفادة من قدرته على خطف الكرة على أن يكون دائمًا قريبًا من نيمار، الذي سيعمل كصانع ألعاب وقائد للعمليات الهجومية.
في الناحية الأخرى سيلعب «راكيتيتش» كلاعب وسط جانبي أيمن في دور مشابه لما كان يقوم به مع إشبيلية، ليشغل المساحات التي سيخلفها فراغ «ميسي»، ولكن أمام «إنريكي» أيضًا خيار أخر جيد هو استخدام «ألفيش» في ذات المركز واستغلال الخصائص التي تألق بها الموسم الماضي حينما شارك كلاعب وسط جانبي وهمي.
في الهجوم لا بديل عن وجود «سواريز» كرأس حربة ليشكل ثنائيًا هجوميًا إما مع ساندرو أو منير الحدادي، حيث ستؤدي كل هذه التغييرات لإبعاد برشلونة أكبر عن قوانين وفلسفة اللعب التموضعي التي حقق بها ثلاثية العام الماضي، ولكنها ستجعل الفريق أقرب لفكرة «إنريكي» الأصلية حينما بدأ تدريب البرسا.. هل سيقدر برشلونة على الحياة دون «إنييستا» و«ميسي»؟ وحدها المباريات ستحكم.