أعتقد أن الأمر حينما يتعلق بسوريا يكون مختلفا فى كل شىء، وحينما يأتى الذكْر على سوريا فنحن أمام كل شىء، أمام سوريا التاريخ، سوريا الحضارة، سوريا الثقافة، سوريا العروبة، سوريا دولة الخلافة، سوريا الطوائف والمذاهب، سوريا المواقف الخالدة، سوريا التضحيات الجسام، سوريا بوابة العرب إلى الغرب، وبوابة الغرب إلى العرب، سوريا رمانة ميزان المنطقة بأسرها، سوريا حائط الصد الأخير مع العدو الصهيونى، لذا يجب أن تسقط سوريا، هكذا يرى أعداء العرب، وهكذا يرى بعض العرب، أو المحسوبين على العرب، أو من كنا نحسبهم عرباً.
هذه هى الحقيقة دون أى رتوش، فى السابق حينما كان يأتى الحديث عن العرب فى أى من المحافل، سيتبادر إلى الذهن فورا سوريا والعراق، وربما بعض من فلسطين أو الأردن أو لبنان، لا أكثر من ذلك ولا أقل، سوف تأتى مصر، بحكم أنها الدولة الأكبر، وسوف يأتى ذكر الآخرين بحكم المنظمة التى تجمعهم، جامعة الدول العربية، فقد انعزلت دول الخليج بما يعرف بمجلس التعاون الخليجى، حتى وإن كان لم يحقق أهدافه، وسط ثقافة هندية، كما دول المغرب بما يطلق عليه الاتحاد المغاربى، حتى لو كان قد فشل فشلا ذريعا، وسط ثقافة فرنسية، كما دول أخرى لا علاقة لها لا بالعرب ولا حتى بلُغة العرب، ولا تاريخهم.
وكما كان سقوط سوريا أمراً مهماً، كان فى الوقت نفسه أمراً عصياً، ما هكذا تسقط الإمبراطوريات، ولا هكذا يمكن أن تسقط الحضارات، فلا رئيس سوريا هو الهدف، ولا النظام السياسى هناك هو المستهدف، وإلا لكان الأمر أهون من ذلك بكثير، كما هو الحال فى دول أخرى بالمنطقة، وفى مقدمتها مصر، الهدف من سوريا هو استمرار الوضع الحالى، هو تدمير الحضارة، وهجرة البشر، وتغيير معالم الحجر.
من هنا لا يجب أن نتوقف أبدا أمام برنامج تليفزيونى وضيع، من إنتاج مذيعة أو مذيع خسيس، لأن الأمر أكبر من ذلك، والشعب السورى أيضا أكبر من ذلك، مهما سجلته كاميرات التسول، أو فيديوهات الغرق، أو حتى أقلام الفتنة، الشعب السورى أشرف وأنقى وأطهر من كل هؤلاء، مهما تواتر من أحاديث عن زواج أو نكاح أو تنصُّر أو تشرد، الشعب السورى فى الماضى كان التاريخ، وفى الحاضر كان أعلى نسبة تنمية بالمنطقة، وفى المستقبل سوف يعود مرفوع الرأس إلى سيرته الأولى، رغما عن الطائفيين والمأجورين وعواصم الشر أجمعين، والمؤشرات فى ذلك أصبحت واضحة.
العالم الخارجى بدأ فى العودة إلى رشده، الاعتراف بالذنب أصبح حديث كل الأروقة والمنتديات، فى عالمنا العربى يأتى الاعتراف بالذنب متأخرا، بل يأتى قسرا، وبتعليمات فوقية، وها هى التعليمات قادمة، من يريدون إقامة شرع الله فى سوريا، فليقيموه فى بلادهم أولا، ومن يريدون الانتصار للحق فى سوريا، فليفعلوا ذلك فى بلادهم أولا، ومن يريدون تحرير الجولان، فليحرروا القدس أولا، أما من يريدون الانتصار لطائفة ما، فكم من الطوائف لديهم تعانى أبشع ألوان الظلم.
لنتوقف قليلا أيها السادة أمام تكالب العالم على سوريا، إرهابيون ومقاتلون وعسكريون ومرتزقة من ٤٨ جنسية يحملون السلاح على الأراضى السورية، عرب وغجر وعجم وفرس وأتراك وإسرائيليون وآسيويون وأفارقة وأوروبيون وأمريكان وروس، نشر الديمقراطية فى سوريا هو الهدف المعلن منذ اللحظة الأولى، إشراك المعارضة فى الحكم، حرية الرأى والتعبير، لنا أن نتخيل أحوال ذلك العالم الذى يئن من التمييز والاضطهاد وتجارة البشر والسلاح والجوع والفقر والأمراض، إلى غير ذلك من عار يُلطخ قوى الاستعمار بصفة خاصة، تركزت جهود الجميع على الديمقراطية والحرية فى سوريا، هو الهلث والخداع والنفاق فى أبشع صوره.
ربما كانت التعددية السياسية فى دول الخليج العربية قد بلغت ذروتها، فآن لها أن تعمل على نشرها فى دول الجوار والبداية كانت من سوريا، ربما حصلت الأقلية الكردية قى تركيا على حقوقها، فقرر الأتراك تصدير التجربة إلى سوريا، ربما حصل الفلسطينيون على حقوقهم لدى إسرائيل وكانت سوريا هى المحطة التالية، ربما من الأردن، وربما من لبنان، وربما حتى من مصر، إلى غير ذلك من أمور مضحكة.
ما أود التأكيد عليه هو أنه لم يعد جائزا بأى حال التعامل مع الأوضاع فى سوريا على استحياء، لحساب غجر مأجورين، أو عجم موتورين، المواقف يجب أن تكون واضحة ومعلنة، هكذا سلوك الرجال، وهكذا تكون أم الدنيا.