هو سؤال نطرحه فى ضوء عدة اعتبارات تجعل من فكرة الانتخاب على القائمة أمراً افتراضياً غير موجود فى الواقع. فكلمة انتخابات تفترض وجود منافسة، إلا أن الأخيرة لا أثر لها حين يتعلق الأمر بالقوائم الانتخابية. وهل من دليل أكبر من أن تنجح إحدى القوائم حتى من قبل أن تبدأ الانتخابات البرلمانية لغياب منافسين لها؟
الأمر الأكيد هو أن قانون مجلس النواب جعل ناخبى مصر مضطرين للدخول فى مشهد انتخابى هزلى على الأقل حينما يتعلق الأمر بالقوائم. فقد أقر القانون نظام القوائم الأربع المطلقة، والشاملة لأربعة قطاعات: امتدت الأولى من الجيزة وحتى حلايب وشلاتين جنوبا، والثانية من القاهرة وحتى محافظات الدلتا شمالا (ماعدا الشرقية)، والثالثة ضمت الإسكندرية والبحيرة ومطروح، وأخيرا شملت الرابعة محافظات القناة والشرقية وسيناء. والحقيقة هى أن هذا التصميم القانونى يتسبب فى مشكلتين رئيسيتين:
تكمن الأولى فى غياب التمثيل الصحى لقطاعات المجتمع، فوفقاً لنظام القوائم المطلقة، القائمة التى تحصل على 51% من الأصوات تستولى بأكملها على كل المقاعد، ولا تحصل القائمة التالية لها على شىء. وهو أمر لا يغلق الباب فقط أمام الأحزاب السياسية كى تبنى نفسها بل أيضاً يغلقه أمام تصويت يمثل أكبر عدد من الناخبين، فالقائمة النسبية- التى لم تعتمد- تعطى فرصة لتمثيل القوائم الحاصلة على المركز الثانى أو الثالث فى البرلمان وفقا لنسبة الأصوات التى تحصل عليها كل منها.
أما المشكلة الثانية والأكبر فتتمثل فى اختفاء التنافس أصلاً، حيث المتطلبات الخارقة الواجب على القائمة تلبيتها لا كى تنجح بل فقط كى تنافس. أن تطلب من قائمة اختيار 45 مرشحاً (و45 مرشحاً آخرين احتياطى)، وأن تجبرها على تغطية ما يزيد على 6 محافظات، لا يفرق عن طلب «لبن العصفور». فهو أمر ببساطة لن تقدر عليه سوى أجهزة الدولة (وربما تنظيم بقوة الإخوان قبيل عزل مرسى). وهل من دليل أكبر من أن تعج شوارع المحروسة باللافتات الانتخابية (غالية الثمن) الخاصة بقائمة «حب مصر» حتى من قبل أن يفتح باب الدعاية الانتخابية بشكل رسمى؟ وأن يتعامل الجميع مع ذلك باعتباره أمراً طبيعياً لا مشكلة فيه أو عيباً؟ فعليا، لو كانت هناك نية خالصة لتنظيم انتخابات حقيقية، فقد كان الأجدر هو الالتفات إلى اقتراح الخبراء بأن تغطى كل قائمة محافظة واحدة ليس أكثر. وإن كانت النية موجودة، وتعنت النظام بسبب ضعف الكفاءة أو التخبط، فهو عذر أقبح من ذنب.
أما المدهش حقاً هو فرض مزيد من الشروط الإدارية التعجيزية، آخرها تمثل فى إجبار المرشحين على إعادة الكشف الطبى، وهو أمر يعنى تكبيد مرشحى القوائم مزيدا من الصعوبات اللوجستية والمالية (حوالى نصف مليون جنيه) حتى من قبل أن يبدأ السباق الانتخابى. لذا انسحبت قائمة «صحوة مصر»، التى عكف أعضاؤها، وعلى رأسهم المحترم د. عبدالجليل مصطفى، ما يقرب من عام على تشكيلها وفقاً لمعايير شفافة، وهى القائمة الوحيدة التى يضفى وجودها شرعية تنافسية فى مواجهة قائمة «حب مصر». للأسف وأخيراً، جهد كبير سقط أرضاً، وسقطت معه آخر أوراق التوت عن انتخابات برلمانية بلا قوائم تنافسية.