أطفال الطلاق.. تريد حلاً!

يسري الفخراني الثلاثاء 29-09-2015 21:47

240 ألف واقعة طلاق كل عام مقابل 950 ألف حفل زواج (الأرقام تقريبية لكنها حقيقية) وهى من دفاتر الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء، يحدث هذا فى مصر فى العام (2015)، أسجل هنا العام لأن فى (2005) كانت أرقام الطلاق نصف هذا العدد فقط، بينما حالات الزواج تتجاوز مليون، الطلاق تضاعف، ولا يخرج اثنان كانا فى حالة حب إلى الطلاق إلا بالمرور على محكمة الأسرة غالبا أو اتفاقات عائلية مكتوبة توضح كل احتمالات العلاقة بين الطرفين، خاصة فيما يتعلق بالأطفال، فى (2025) يتوقع حالة طلاق مقابل كل حالة زواج!

مصر (اليوم) من بين أول خمس دول فى العالم فى حوادث الطلاق (إذا لم تكن الأولى)، التى تنتهى بمأساة 200 ألف طفل كل عام يعيشون فى مساحة الفراغ بين الأب والأم، يمسكون خيوط أيام واهية لا أمان فيها ولا أمل، وهم يدفعون ثمنا فادحا لحياة بدون عائلة مكتملة.

مئات القصص يبتلعها المجتمع صباح كل يوم، إلى أين تذهب هذه القصص؟ بمواجعها بمشاكلها بأزماتها بخوفها؟ إلى أى بر ترسو سفن وقد تمزقت نصفين؟

يقابل الأزواج (بعد أمنيات قصيرة بحياة سعيدة) الحياة وأنفسهم. يبدأون فى اتخاذ قرارات الانفصال، بعضهم على حق والكثير منهم لأنه أقل من المسؤولية، أغلبهم لا يرون إلا هذه الدبلة وهى تخلع من أصابع اليد، لكن الأطفال وهم يخلعون من حياة بأكملها، فكم أب وكم أم فكروا فى مصيرهم؟

هذا مقال ليس عن الطلاق، إنما عن أطفال الطلاق، عن قوانين طويلة تحتاج إلى تعديل وتعميق وفحص وترتيب، خاصة بموقع هؤلاء الأطفال على يمين أو شمال الآباء!

إن قوانين الأحوال الشخصية فى احتياج إلى دراسات اجتماعية عميقة وإلى قلب وإلى مشاعر وإلى رؤية وإلى أمر واقع، لكى تتوافر الضمانات لأطفال لا حول ولا قوة لهم، لحياة كريمة بسيطة بعيدا عن أمر الرؤية وحق الحضانة والوقوف بين يدى عدالة المحكمة فى انتظار قرار رحيم.

لا كل الآباء شياطين ولا كل الأمهات ملائكة، والعكس: لا كل الآباء أبرياء ولا كل الأمهات شريرات، لذلك لا يمكن لورق فى ملف أو عبارات محام محفوظة فى قضية تلهم القاضى (مهما كان عدله وكان ضميره) حكما يترتب عليه مصير حياة طفل.

لا يمكن أن تخضع قضايا الأسرة للعرض على منصة الضمير بالكيلو، لا يمكن أن تحكى الأحكام بتلاوتها بعد دقيقة واحدة من الاستماع لأطراف القضية.

كما يتهم الزوج الزوجة بأنها سبب خراب البيت، تتهمه هى أيضا، وكما يدعى كل طرف أنه الأحق بحضانة الطفل يدعى الطرف الآخر، فى النهاية يذهب الطفل إلى أمه وقد لا تكون هى الطرف الأفضل، أو لا يذهب لها لظروف ما وقد تكون هى الطرف الأحق!

دولة بحجم مصر وتعدادها، يجب أن تفتح حواراً مجتمعياً لقوانين الأحوال الشخصية، تفرز وتغربل وتنقى وينتقى منها الأفضل، حتى لا تتحول القضايا إلى كابوس، والأحكام إلى التزام بنصوص رمادية لا روح فيها، والقضاة إلى مستشار اجتماعى، والمحامى لا يتكور وينتفخ ويصبح دائرة فى سلسلة فاسدة تلوى الحقائق بثمن ما يدفع من أتعاب.

النار تحت الرماد، حين يصبح الطلاق يوماً أكثر من الزواج، وحين تصبح لدينا 5 ملايين طفل انسابت طفولته من تحت عتبات البيوت الدافئة، يتحولون إلى شباب لم يكتمل نصيبه من التربية بين الأب والأم، سوف يزداد المجتمع عنفاً وأرقاً.

من يبدأ مبادرة إصلاح منظومة الأحوال الشخصية فى بلدى؟