لا أعرف وصفاً دقيقاً لكرة القدم.. هل هى مجرد لعبة للتسلية وستبقى لعبة مهما حاولنا إخفاء أو إنكار ذلك.. هل هى مستشفى للأمراض النفسية يعالج ضحايا الإحباط والاكتئاب والاغتراب والفراغ والملل.. هل هى ساحة مفتوحة لكل من يريد التمرد من وقت لآخر، أو يريد أحياناً تجربة الغضب الآمن وخوض الحروب المستعارة دون دماء وخسائر حقيقية.. أم هى المرأة المستحيلة التى أبداً لن تكف عن إغوائك وأبداً لن تستلم لك ولن تسمح لك بالاقتراب منها إلى حد امتلاكها أو البعد عنها إلى درجة نسيانها.. وأنا شخصيا أميل أكثر إلى هذا الوصف أو التشبيه الأخير حيث المرأة المستحيلة وحيث لا ضمانات أو دوام أى حال سواء كان الفرح والحزن أو الانتصار والانكسار.. فعشاق الأهلى الذين تخيلوا أن الكرة استسلمت لهم، وباتوا لا يعرفون معها إلا الفرحة وكبرياء الانتصار ونشوته..
كانت مفاجآتهم قاسية ومؤلمة حين أظهرت لهم كرة القدم وجهها الآخر الذى لا يعرف رومانسية أو حنان وأمان.. ولم يتعلم عشاق الزمالك الدرس مما جرى لعشاق الأهلى قبلهم.. وتخيل عشاق الزمالك أن كرة القدم عادت لهم بعد طول غياب وفراق وستبقى معهم ولهم كثيراً وطويلاً.. فكانت المفاجأة القاسية بعد الهزيمة الثقيلة فى تونس.. لكنها كرة القدم التى لن تتغير ولن تستسلم أبداً لأى عاشق، ولن تكون ملكا لأى أحد مهما كان غرامه وجنونه وإخلاصه.. والمشكلة ليست فى كرة القدم إنما هى فى عشاقها هنا فى مصر، الذين لا يتعلمون أبداً مما جرى..
وعلى الرغم من أن صدمة الأهلى لاتزال حاضرة وظاهرة وملء سمع وبصر أهل كرة القدم فى مصر كلها.. إلا أن عشاق الزمالك تجاهلوها تماماً وبمجرد الفوز على الأهلى والجمع بين بطولتى الدورى والكأس حتى بدأوا الرقص المجنون والتعالى والتباهى والإفراط فى الثقة والأحلام، كأنهم أخذوا معهم كرة القدم إلى سجن الغرام وبيت الطاعة.. وإذا كان من الممكن قبول هذه السذاجة الرومانسية والمراهقة الكروية من عشاق صغار فى الشوارع والمدرجات وصفحات التواصل الاجتماعى.. فإنه من الصعب جداً قبولها من الكبار سواء كانوا مسؤولين أو إعلاميين ليس من المفترض أن يفقدوا وقارهم وعقولهم إلى هذا الحد.. ويصعب أيضاً قبول تناقضات هؤلاء السخيفة والمزعجة.. وأحببت كرة القدم واحترمتها كثيرا وجدا حين فضحت هؤلاء فى أقل من أربعة وعشرين ساعة.. إذ أنه حين خسر الأهلى أمام أورلاندو الجنوب أفريقى فوجئ عشاق الأهلى بعشاق الزمالك يرقصون فرحاً.. فغضب عشاق الأهلى واتهموا عشاق الزمالك بعدم الوطنية وعدم الانتماء والاحترام أيضاً..
وفى اليوم التالى كان الزمالك يخسر أمام النجم التونسى فتبدلت الأدوار كلها فجأة.. فكانت فرحة عشاق الأهلى التى رآها عشاق الزمالك عدم وطنية وانتماء.. ولا أحد يخجل من تناقضاته أو يتعلم أنه لا أمان لتلك المرأة المجنونة التى هى كرة القدم.. وأتمنى الآن أن يتخطى الأهلى والزمالك معاً هذه الأزمة، ويتأهلان لنهائى الكونفيدرالية ولكن بدون أى سذاجة أو مراهقة كروية.