إذا أرادت أن تصف ريم فوزي فإن كلمة «واثقة من نفسها» ربما تكون الوصف الأمثل، فهي صاحبة مشروع مميز في القاهرة، وهو التاكسي الوردي «pinkTaxi» وهي خدمة تقدمها النساء للنساء، وتقول صاحبة المشروع بفخر: «خلال الثورة تكلم الكثيرون عن حقوق المرأة، إلا أنني استطعت أن أنقل هذا الكلام إلى أفعال». ودربت «فوزي» نساء واعطتهن وظائف سائقات لديها، وهي وإن كانت ترى أن هذا الأمر يساهم في تعزيز دور المرأة المصرية، فإنها على دراية أيضًا بما يمكن أن يحققه هذا المشروع من نجاح داخل مصر.
بعد الثورة المصرية أصبح السفر بالتاكسي خطرا على النساء، حسب «فوزي»، البالغة 44 سنة، والتي ارتدت بلوزة وردية وطلت شفتاها وأظفارها باللون الوردي، وتقول: «الاعتداءات على النساء زادت فجأة منذ عام 2011». وحتى تستطيع «فوزي» أن تستقل أحد السيارات العمومية، فإنها كانت تسجل رقم السيارة وترسله برسالة نصية لإبنها، كما كانت تطلب منه أن يتصل بها مرارا للاطمئنان عليها، من هذا المنطلق جاءت فكرة تأسيس مشروع خاص للنساء، ويتكون المشروع من 20 سيارة ذات لون وردي وزهاء 50 سائقة يلبسن أيضا زيًا ورديًا.
إحدى السائقات، تدعى هبة، انطلقت بنا في جولة في شوارع القاهرة، وقبل الانطلاق وضعت السائقة حزام الأمان وعدلت من وضع حجابها، كما عدلت من وضعية المرآة في السيارة، ثم انطلقت لتسير قي شوارع القاهرة وقت الذروة، والحقيقة ومع هذا العدد الكبير من السيارات في شوارع القاهرة فإن كل الأوقات تبدو وكأنها وقت الذروة. ويبدو أن أحد سائقي التاكسي فوجئ برؤية هبة بزيها الوردي وبسيارتها الوردية وإشارة التاكسي الموضوعة على السيارة، فحاول الاقتراب منها وهو يصرخ بصوت فظ «ما هذا؟»، ثم أخذ بالصراخ «هذا الأمر هو خطر على حركة السير»، وقال لها إنه «خطر عليك وخطر على من معك». إلا أن هبة لم تلق بالًا لكلام الرجل وصياحه، فقبل أشهر قليلة كانت ردة فعل زوجها قريبة من ردة فعل هذا الرجل، وأعرب عن خوفه على زوجته و«بأنه من الخطر عليها ممارسة هذه المهنة» وقال لها: «لو تعطلت إطارات السيارة فإنك لن تستطيعين تبديلها». إلا أن هذا الأمر ليس صحيحا، فهي تعرف بالطبع كيف تبدل إطارات السيارة، فقد تلقت تدريبا خاصا طوال شهرين كاملين قبل أن تمارس عملها.
هبة، البالغة 36 سنة، تستطيع قيادة السيارة منذ فترة طويلة، إلا أنها قبل الحصول على رخصة القيادة كانت مضطرة إلى ركوب التاكسي العادي ذا اللون الأبيض، إلا أن الأمر كان فظيعا بالنسبة لها، فالعديد من سائقي التاكسي قاموا بتثبيت العديد من المرايا الصغيرة في مركباتهم من أجل مراقبة الزبائن، والعديد من السائقين يسمعون زبوناتهم كلاما بذيئا. وتقول هبة «التاكسي الوردي اختراع رائع، فالرجال ينظرون إلينا بأننا مجرد دمى، وعلينا الدفاع عن أنفسنا بشكل مستمر».
ووفقا لدراسة أعدتها الأمم المتحدة فإن 99% من النساء في مصر عانين من التحرش الجنسي، إلا أن النقاد يحذرون أن هذه الأفكار وغيرها تساهم في تقسيم المجتمع المصري، وذلك عن طريق عزل النساء عن الرجال وعدم السماح للرجال بدخول أماكن تتواجد بها النساء.
وتعترف ريم فوزي أن مشروع التاكسي الوردي لن يحل مشكلة التحرش في مصر وتقول «نحن شركة خاصة وليس الشرطة لكي نمنع التحرش الموجود داخل المجتمع»، وتضيف «هذا واجب الدولة» ومشروعها هو الوسيلة المتوفرة من أجل نقل آمن للنساء. فزيادة حالات التحرش في المجتمع المصري، كما تقول فوزي، ساهم في قلة السياحة، والسائحات أصبحن تخشين على أنفسهن من المضايقات، لذلك تريد فوزي أن ترسل فتياتها (السائقات لديها) إلى المطار من أجل توصيل الأجانب.
وتملك جميع السائقات في التاكسي الوردي شهادات جامعية، ويتحدثن الإنجليزية بطلاقة، وهو أمر مهم جدا كما تصفه صاحبة المشروع، و«حسن التصرف مع الزبائن من الأمور الهامة الأخرى المطلوبة»، حسب فوزي، فهي تقول إن عددا الكثير من سائقي السيارات العمومية في مصر «غير قادرين على التعامل الجيد مع الزبون»، لذلك فإن حسن التصرف هي من الأمور المصيرية لشركتها بحيث يزيد من فرص نجاحها أو يصيب فكرتها بالفشل. وتعترف صاحبة الفكرة أن الحصول على سائقات متعلمات شكل صعوبة في البداية. فبالرغم من أنها تدفع للسائقات مبلغ 350 يورو شهريا وهو مبلغ كبير في مصر، إلا أن نظرة المجتمع السلبية للسائقين كانت من الصعوبات التي واجهتها. كما أن عددا من السائقات منعن من العمل بعد الزواج. وتتفهم ريم فوزي هذه الضغوط على السائقات، إذ إن زوجها في البداية أراد منعها من إتمام المشروع، إلا أنها تضحك من قلبها عندما تتذكر الأمر، فبعد إثبات نجاحها واقتناع زوجها بالفكرة، يقول لها الآن «افعلي ما ترينه مناسبا».