مازلت أتذكر اليوم الذي انعقد فيه أول برلمان مصرى بعد «ثورة 25 يناير»؛ وهو البرلمان الذي هيمن عليه «الإسلام السياسى» هيمنة تامة، حيث تقاسم «الإخوان» والسلفيون أغلبية مقاعده.
لم تفارقنى أبداً صورة النواب السلفيين وهم حريصون على أن يخرقوا قواعد اليمين الدستورية لتولى مناصبهم، بأن يضيفوا إليها عبارة «بما لا يخالف شرع الله»؛ وكأن الدعوة الموجهة إليهم في الأساس تستهدف إلحاقهم بكتائب «الكفار»، أو أن البرلمانات السابقة لم تكن سوى حاضنات للكفر والفسوق والعصيان.
لن ينسى كثيرون فضائح برلمان 2012، وخصوصاً تلك التي تتعلق بالنائبين البلكيمى وعلى ونيس؛ إذ تم انتخاب هذين النائبين باعتبارهما رمزين من رموز التيار السلفى، الذي ينطلق في دعايته وبرامجه الانتخابية من المرجعية الإسلامية، ويتخذ أعضاؤه هيئة توحى بالتمسك بالمظهر الإسلامى ومحاولة الاقتداء بالسلف الصالح في المظهر والجوهر.
لم تكن تلك الفضائح أهم نقائص التجربة السلفية في الممارسة البرلمانية، بل ظهرت نقيصة أخرى أشد ضرراً وأبلغ إسفافاً؛ فقد كان مجمل تركيز النواب السلفيين خلال الشهور التي مارس فيها البرلمان عمله منصباً على أمور تافهة شكلية، ومستهدفاً الإثارة وجذب الأنظار، ومتلاعباً بعواطف البسطاء الدينية.
ليس هناك أبلغ من النكتة السياسية المصرية للتعبير عن المنظور الذي يرى منه الجمهور السياسيين والبرلمانيين، حيث يلجأ الجمهور عادة إلى النكات التي تُقيّم السياسيين وتنتقدهم وتفضح عجزهم وإخفاقهم.
من أهم النكات التي تداولها المصريون تلك الفترة بحق السلفيين نكتة تقول إن «نائباً سلفياً يطالب بتغيير اسم الطريق الدائرى إلى الطريق المستقيم».
تريد تلك النكتة أن تختصر وتلخص مساهمة السلفيين البرلمانية وتنتقدها في آن. تقول النكتة بوضوح عن تلك المساهمة إنها «شكلية، وبائسة، ولا تستهدف سوى الدعاية ومغازلة عواطف البسطاء».
النكتة كانت على حق بكل تأكيد، فمن بين ما طالب به النواب السلفيون آنذاك «حجب المواقع الإباحية على شبكة الإنترنت»، و«حجب موقع (فيس بوك) لنشره مواد تسىء للرسول الكريم»، و«إلغاء تدريس اللغة الإنجليزية في مدارسنا»، لأنها جزء من «مخطط خارجى ضد بلادنا». ومن بين المطالب التي طرحها نواب سلفيون آخرون في برلمان 2012 المطالبة بـ «قتل البلطجية»، و«وضع ضوابط لأى تطاول على الأنبياء، وتطبيق حد الردة على المتطاول في أي مكان بقتله، ليكون عبرة للآخرين».
لم تكن كل المطالبات من هذا النوع الحاد بالطبع، ولكن بعضها اتخذ منحى آخر مثل مطالبة أحد النواب السلفيين بتطبيق قانون العزل على «أقارب سوزان مبارك»، ومطالبة زميل له بـ «الكشف عن فاتورة علاج الرئيس مبارك في المستشفى الذي يقيم به»، في وقت طالب فيه زميل ثالث لهما بـ «تطهير المجلس من النواب الخونة».
لكن ثمة نواباً سلفيين آخرين كرسوا طلباتهم لمسائل تتعلق بالبعد الدينى المباشر؛ مثل ذلك النائب الذي طالب بـ «توسعة مسجد مجلس الشعب، ورفع الجلسات خلال وقت الصلاة»، وغيرها من المسائل التي تستجدى العواطف وتستهدف إظهار الورع دون أي تأثير حقيقى في مسار دولة تعانى من أزمات ضخمة وتحديات جسام.
هل هذه دعوة للجمهور لتجنب التصويت للسلفيين في الانتخابات المنتظرة؟
لا أعتقد أنه من الصواب أن يصوت أي فرد لحزب أو جماعة ذات ارتكاز دينى في انتخابات سياسية، ولا أعتقد أن دولة رشيدة يمكن أن تسمح لأحزاب بممارسة السياسة على أسس دينية، ومع ذلك فإننى متأكد من أن معظم من يصوتون للسلفيين لا يحفلون بتلك القواعد، ولا يتعرضون لمثل تلك المقالات الصحفية.
المقصود إذن بهذا المقال هم المرشحون السلفيون أنفسهم؛ إذ يبدو أن عدداً ليس قليلاً منهم سيكون عضواً بالبرلمان المقبل، لأسباب عديدة يتعلق معظمها بتراجع معدلات التنمية البشرية، وهشاشة الحياة السياسية.
فالأمل ألا يظل السلفيون «فى الطريق الدائرى»، حريصين على التلاعب بعواطف الناس الدينية، ومنصرفين إلى القضايا الشكلية التافهة، ومتجاهلين القضايا المهمة والحيوية.