«أبو مازن».. رجل «السلام» المتجمد

جيهان فوزي الجمعة 25-09-2015 21:16

لست أدرى إلى متى سيظل الرئيس الفلسطينى محمود عباس «أبومازن» يرفع شعار «التفاوض هو السبيل الوحيد للتوصل إلى السلام» ؟؟!

مع كل الاخفاقات التي تعرض لها طريق المفاوضات منذ مؤتمر مدريد للسلام عام 1991 الذي انعقد على أساس «الأرض مقابل السلام» وحتى هذه اللحظة، لم يعبدهذا الطريق بأى حلول جذرية ترقى إلى القول أن مرحلة السلام والاستقرار في طريقها إلى المنطقة، أو أن الحروب والصراعات حطت أوزارها وآن الأوان لمرحلة جديدة من السلام ينعم به الشعب الفلسطينى على نحو خاص وشعوب المنطقة بشكل عام .

منذ مؤتمر مدريد مرورا باتفاق اوسلو عام 1993 وقمة كامب ديفيد 2 عام 2000 واتفاق القاهرة عام 2005، وماتلا ذلك من مؤتمرات ولقاءات ومفاوضات مارثونية بين الفلسطينيين واسرائيل مع تعاقب الحكومات الاسرائيلية بين الحمائم والصقور المتشدد منها والمراوغ، والأمور آخذة في التعقيد والتنازلات واحدا تلو الآخر , فبعد أن كان سقف الطموحات في مؤتمر مدريد للسلام واتفاق اوسلو يتصاعد إلى آفاق السماء , ظلت اسرائيل تراوغ وتتملص وتنقض العهد حتى وصلت الأمور إلى أسوأ حالاتها , حمى الاستيطان لم تتوقف حزام ناسف من المستوطنات يحيط بالضفة الغربية والقدس , انقضاض مستمر على الأراضى الزراعية الفلسطينية وتجريفها وتهويدها وإقامة المستوطنات عليها , إقامة جدار الفصل العنصرى في الضفة الغربية لعزل السكان الفلسطينيين , عزل الضفة الغربية عن قطاع غزة اقامة الحواجز في كل مناطق الضفة الغربية والقدس الشرقية , الاعتداءات المتكررة على المسجد الاقصى واقتحامه عشرات المرات والاستمرار في الحفريات تحت المسجد بدعوى البحث عن الهيكل , الحروب التدميرية المتتالية على قطاع غزة وتسويته بالارض وسلسلة الاغتيالات الميدانية لقيادات فلسطينية بارزة , حصار قطاع غزة منذ سنوات , اعتداءات المستوطنين المتكررة على الفلسطينيين بحماية جيش الاحتلال , الاعتقال الذي طال مئات الالاف من الفلسطينيين منذ الاتفاق وحتى الآن , أحداث الاقصى الجارية حاليا والاعتداءات الاسرائيلية الصارخة على سكان القدس ومنعهم من الصلاة في أقصاهم والسماح للاسرائيليين والمتطرفيين العنصريين بتدنيس وهدم ساحاته!! عدم اعتراف رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو بالمفاوضات طريقا للسلام وإعلانه بوضوح رفضه لحل الدولتين ويهودية الدولة ...ألخ

كل ذلك والتاريخ حافل بالاحداث التي لا يتسع المجال لذكرها، والسيد الرئيس محمود عباس لايحيد عن معزوفته الأثيرة «السلام» والتى لا تفارق تصريحاته في كل محفل ومناسبة، رغم كل ما يتعرض له الفلسطينيين , حتى كفر الفلسطينيون أنفسهم بالسلام وباتوا أكثر تجاوبا وقناعة بخيار المقاومة , بعد أن جربوا كل سبل السلام الممكنة والغير ممكنة مع اسرائيل عبر كل أشكال المفاوضات سواء كانت ثنائية مباشرة أو عبر وسطاء دوليين كالاتحاد الاوروبى أو رعاة كمصر والولايات المتحدة , وفى كل مرة تذهب أصداء جلسات التفاوض حامية الوطيس سدى لاتترك أي صدى على أرض الواقع , بل تتنعت اسرائيل أكثر وأكثر وتترجم مواقفها إلى أفعال مغايرة تماما , تعكس الغرور والغطرسة والتعالى وضربها عرض الحائط كل ما يتم الاتفاق عليه .

آخر تصريحات رجل السلام كانت بالأمس في فرنسا عندما أنذر بانتفاضة ثالثة (لايتمناها) إذا ما استمر الوضع على حاله في المسجد الأقصى، عباس في تصريحاته في قصر الاليزيه طالب بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الاسرائيلى «المتغطرس والمتعالى» بوقف الاستيطان في الضفة الغربية وانهاء كل أعمال الحفريات في مدينة القدس القديمة حيث المسجد الاقصى والعودة إلى طاولة المفاوضات.. وقال أنه يرى التفاوض هو السبيل الوحيد للتوصل إلى السلام «!!

من سخرية القدر أن نتنياهو يرد بالأفعال القاسية والموجعة التي تنم عن استهانة وتقزيم للخصم، ولى الحقائق كى تبدو اسرائيل كبش فداء حقد العرب وارهابهم، فيشرع في تنفيذ المزيد من خطط تهويد القدس وقضم الأراضى الفلسطينية واشعال فتيل المواجهات ليلقى باللوم على رجل السلام «محمود عباس» الذي لا يستطيع ضبط شعبه فهو ضعيف وغير مؤهل ليكون رجل السلام!! تماما كما حدث في الفترة التي سبقت حصار الرئيس الراحل ياسر عرفات واتهامه بالضعف وعدم القدرة على أن يكون رجل المرحلة والسلام !!

وهنا أتساءل.. طوال فترة حكم الرئيس «محمود عباس» ماذا حقق له هذا الشعار «السلام» الذي أصبح غصة في حلق الفلسطينيين؟؟ حتى أن هناك تمرد حاصل في صفوف حركة فتح التي ينتمى لها عباس وانشقاق عناصر أصبحت ترى في السلام الذي ينادى به ضعفا أوهن المقاومة الفلسطينية وأعطى القدرة لاسرائيل للتسلل داخل العقل الدولى للاستحواذ عليه في تحصين ممارساتها العدائية والاستيطانية والتهويدية، فالرجل الذي يتحدث من موقع الضعف، لا يمكنه أن يتحدث عن السلام بقوة , وهذا ما جعل اسرائيل تتمادى وتتجرأ أكثر وأكثر ليعلنها بعد ذلك نتنياهو صراحة أنه لا يوجد شئ اسمه «حل الدولتين» ولا يوجد تفاوض على دولة فلسطينية على حدود عام 1967 المتفق عليها منذ اوسلو؟؟ لينسف من الأساس مسيرة مفاوضات استمرت لأكثر من اثنين وعشرون عامل بحثا عن الحلول !!

الفرق بين الرئيس «محمود عباس» والرئيس الراحل «ياسر عرفات» أن «أبوعمار» كان دائما يلوح بخيار المقاومة جنبا إلى جنب مع غصن الزيتون الذي يرفعه إلى عنان السماء، فكان مصدر قلق وازعاج لاسرائيل، تحول في الفترة الأخيرة التي سبقت وفاته إلى مصدر خطر داهم لاسرائيل , لما شكله الحصار المضروب حوله من قوة ترددت أصدائها في العالم كله , وأصبح ياسر عرفات بطلا شعبيا مقاوما يحظى بالتقدير والاحترام والاعجاب الدولى والشعبى , الأمر الذي عجل باتخاذ رئيس الوزراء ارئيل شارون في ذلك الوقت قرارا «بتصفيته» .

فإلى متى يظل الرئيس محمود عباس قابضا على جمرة السلام التي ستحرق سفنه المشرعة قبل أن ينطفئ لهيبها ؟؟