سيدى الشيخ.. حبيبى البابا..!!!

سيلڤيا النقادى الجمعة 25-09-2015 21:16

أتابع بشغف رحلة البابا المكوكية... فرانسيس بابا الفاتيكان، التي قام بها في الأسبوع الماضى متوجهاً إلى كوبا ثم إلى الولايات المتحدة الأمريكية في أول زيارة تاريخية لهاتين الدولتين المتناقضتين في الفكر والعمل وبالطبع الحياة!!!... احترت في اختيار أكثر من عنوان لهذا المقال، ولو كان الأمر بيدى لكنت اخترت كل هذه العناوين التي وقعت في حيرتها والتى تمثل التنوع الثرى الذي تتمتع به شخصية هذا الرجل السياسى من الطراز الأول والمخضرم إنسانياً كذلك من الطراز الأول... وكلمة المخضرم ليست معنى يعيبه أو يوحى بأنه يتلاعب أو يناور بقدراته الإنسانية على الآخر! وإنما هي كلمة ترمى إلى خبرته الحياتية التي كونت فلسفته وعلمه بمواطن البشر فجعلت منه إنساناً مخضرماً إنسانياً.

كانت العناوين كثيرة منها على سبيل المثال «مفاجآت البابا»... «البابا نجم الروك الدينى».. «بابا لكل الناس».. وما إلى ذلك من عناوين، كلها كانت نابعة من إحساسى به كإنسان عادى.. قريب إلى قلوب البشر.. رسول لآلامهم وأوجاعهم.. عليم بضعفهم.. وقبل كل شىء منصف لإنسانيتهم!!.. عندما قال: نحتاج لقساوسة بدون أحجبة وثياب كهنة.. نحتاج أن نراهم بالجينز وأحذية التنس.. نحتاج قساوسة يذهبون إلى السينما.. يستمعون للموسيقى.. يخرجون مع الأصدقاء.. يشربون الكوكاكولا.. يتواصلون على الإنترنت.. يحبون القربان المقدس ولا يخجلون من تناول البيتزا أو احتساء الجعة.. قساوسة يحبون الغناء والرقص والرياضة والمرح.. يتحلون بعقول مستنيرة اجتماعياً تحب البهجة والصحبة.. قساوسة يعرفون كيف يستمتعون ويحصلون على أجمل ما يمكن أن تقدمه الحياة دون قسوة أو رتابة.. عندما قال هذه الكلمات كان يعلم أنه ربما سوف يتعرض للهجوم والنقد من أصحاب العقول العتيقة المتشددة الصارمة التي افترشت أبسطة من الكراهية والقسوة على مر العصور، لكنه لم يهتم ولم يكترث.. رسالته وهدفه لمحو هذه الأيديولوجيات المنافقة البعيدة عن الواقع.. عن الطبيعة الإنسانية كانت أهم وأقوى من الرضوخ لهذه العقول.. تفهمه للضعف الإنسانى وظروف البشر وحياتهم كان المفتاح الذي تأكد أنه من خلاله سوف يتمكن من الوصول إلى أعماق الإنسان لإصلاحه للأفضل.. لهذا نراه يظهر تعاطفه عندما يقوم بنفسه بغسل أقدام مرضى الإيدز أثناء جولاته وأنشطته الإنسانية.. نراه على دراجته البخارية.. نراه يدفع «فاتورة» الفندق الذي نزل به في روما من جيبه الخاص قبل أن يتم تنصيبه بابا الفاتيكان.. نراه يرفض ركوب السيارات الأمريكية الفارهة أثناء زيارته الحالية للولايات المتحدة ويستقل سيارة ماركة فيات الإيطالية.. في نفس الوقت نراه يستمتع برياضة السوكر «soccer» ورقصة «التانجو».. يقرأ لـ«دوستويفسكى» و«بورج لويس بورج» ثم ينتقد بذخ ولائم الأغنياء في الوقت الذي يجوب فيه فقراء جياع الشوارع!!!

هكذا يكون رجل الدين.. وهكذا تكون رسالته.. هكذا يُصلح البشر.. وهكذا تتغذى لديهم مشاعر الرحمة والتعاطف والحب للآخر وهكذا تصبح لقواعد الكتاب ـ أي كتاب ـ معنى!! وهكذا يصبح والكلام لشيوخنا وأئمتنا الأفاضل دور ومعنى.. فلا منبركم العالى ولا صوتكم الجهورى التهذيبى الإصلاحى سيصل أو ينفع ما دمتم وما زلتم تجلسون في برجكم العاجى لا تتواصلون مع الناس.. ولا تستمعون لشكاواهم الحقيقية.. لا تقدمون لهم المشورة المستنيرة إلا من خلال هذه الفتاوى الصارمة التي تفتقر إلى لغة العصر والخالية من لغة الرحمة والتعاطف.. اللغة التي حثها عليكم الله سبحانه وتعالى!! ولكنكم في غيبة عن الحياة وغفلة عن دوركم الذي جئتم من أجله.. انتبهتم فقط لأنفسكم وشهرتكم ومالكم وصراعاتكم وتركتمونا فريسة ضعيفة خاوية ينهشها ويتلقفها مرضى مصابون بأمراض عقلية، أو نمور مفترسة تقطع الرؤوس وتحرق الأجساد وتستعبدالنساء.. كل ذلك في غفلة عنكم ومنكم.. ولكنه برضاكم مع سبق الإصرار!!.. كل ذلك وأنتم تتحدثون عن الإسلام ديناً للرحمة والعدل.. كل ذلك وأنتم ترهبوننا بفكركم المضلل.. وتعاليمكم التي قتلت معنى إنسانيتنا الحقيقية.. انزلوا الشارع، تحرروا من قيود ملبسكم ومحابس عقولكم.. افتحوا الطريق لأسلوب جديد.. للغة جديدة سهلة تصل من إنسان إلى إنسان.. افعلوا كما يفعل البابا.. بابا المسيحيين الذين نكفّرهم ونشردهم ونقتلهم.. أفسحوا مساحة للحب.. للتضامن.. أفسحوا مساحة لإنسانيتكم..!!

انتهى الكلام.. انتهى الحديث.. ربما يبقى شىء واحد لم أفصح عنه وهو: أننى أحب هذا الرجل.. أحب بابا الفاتيكان.. لأنه يعظ بتعاليم دينى وعقيدتى المسلمة.. نعم دينى.. دين المحبة والرحمة والعدل!!

selnakkady@gmail.com