القصة في مصرع مئات الحجاج، وإصابة مئات آخرين، صباح أول أيام العيد، ليست أبداً في أنهم تدافعوا خلال ذهابهم إلى رمى الجمرات، فسقطوا بعضهم فوق بعض، ولا في أن الطقس كان شديد الحرارة، ولكنها بالأساس في أن مشايخنا لايزالون مصممين، على أن يؤدى حجاجنا الفريضة في ظروف العام الأول الهجرى، وليس في ظل مستجدات طرأت ولاتزال ونحن في عام 1436 من الهجرة!
القصة هي أن مشايخنا مدعوون بقوة إلى استخدام عقولهم، عندما يتصدى أي واحد منهم لأمر من أمور الدين في أيامنا هذه، لأن الله تعالى عندما وضع عقولنا في رؤوسنا، لم يضعها لكى نظل نقيس حياتنا على ما مضى منها، أيام الرسول عليه الصلاة والسلام، وصحابته، وإنما لكى نقيسها في الغالب على ما نعيشه، ونواجهه، ونعانيه، ويستجد فيها كل يوم.
إننى أتصور الرسول الكريم وهو يحج في أيامه، ثم وهو يتوجه مع أصحابه، لرمى الجمرات، وأحاول أن أتصور حجم الأعداد التي كانت تصاحبه، فأتوقع بالورقة والقلم أنها كانت آلافاً لا غير، ولم تكن عنده عليه الصلاة والسلام، أي مشكلة بالتالى، لا في التدافع، ولا في الزحام، خلال المسافة من «منى» وصولاً إلى موقع رمى الجمرات فيها!
المشكلة نشأت عندما أصبح على المملكة العربية السعودية، في القرن العشرين الميلادى، والخامس عشر الهجرى، أن تستقبل ملايين الحجاج، وأن يجتمع هؤلاء كلهم في مكان واحد، وأن يتوجهوا إلى رمى جمراتهم، في توقيت واحد، ومشياً على مسار واحد.
ورغم أن المملكة تضيف تطويراً وراء تطوير، في كل عام، إلى موقع رمى الجمرات، أو في الطريق إليه، إلا أن التطوير الذي ينتظره الحجاج، وتنتظره المملكة معهم، وننتظره نحن كلنا، إنما هو في عقول مشايخنا أنفسهم، لأنى أتخيل، أن رسولنا العظيم، لو كان بيننا اليوم، لكان قد خفف على الحجاج كثيراً، ولكان قد أطلق موعد رمى الجمرات في أيامها دون إلزام بشروق، ولا بغروب، ولا بليل، ولا بنهار، ولكان أول واحد فينا أخذ بمبدأ أنه حيث تتحقق مصلحة الناس، يتحقق شرع الله.
تسأل أنت الواحد من شيوخنا، عن الموعد الذي يكون عليك أن تقذف بجمراتك فيه، فتكتشف أنه وهو يجيب عليك، قد ألغى عقله تماماً، وقال إن الرسول حدده بالشروق- مثلاً- وأن عليك أن تذهب إلى جسر الجمرات في هذا الموعد، دون غيره.. فإذا سألته عن العدد الذي كان يرافق رسول الإنسانية، قياساً على الأعداد الهائلة الآن، فلن تحصل على جواب، ولن تسمع كلمة!
كل ما أريده من مشايخنا أن يلتفتوا إلى أن الله تعالى قد أنزل قرآنه الكريم على عقول، لا على حجارة، وكذلك الرسول، عليه الصلاة والسلام، في أحاديثه الثابتة الصحيحة، وأن الرسول كان ييسر على المسلمين، ولا يعسر عليهم في شىء، وأنه لو عاش إلى العام السادس والثلاثين الهجرى، بعد الألف، ما كان حاج واحد قد سقط بالتدافع هناك، لأنه كان صاحب عقل يزن الدنيا كلها، قبل أن يكون صاحب رسالة!
على مشايخنا أن يسعفوا المملكة، وعليهم أن يسعفونا في أمور ديننا جميعها، بدلاً من هذا الخذلان!