اعتدنا الطعن في صحة انتخابات البرلمان بمجرد انتهاء عملية التصويت، أبواب الطعن كثيرة: الانتخابات بدأت مبكراً، الكشوف تضم متوفين، تم حذف أحياء، تسويد البطاقات، رئيس اللجنة لم يكن نزيها، تم حرمان بعض الناخبين من التصويت، فرص الدعاية لم تكن متساوية، إلى غير ذلك من كثير من الدوافع التي قد يكون بعضها حقيقياً، والبعض الآخر جاهزاً مبكراً، حيث إن الطاعن كان يدرك موقفه المتدهور، إلى أن يتم إغلاق الصناديق فتبدأ مرحلة أخرى من الطعون تتعلق إما بالتزوير في عمليات الفرز، أو في إعلان النتائج.
الآن نحن أمام أوضاع ربما هي الأولى من نوعها، اتهامات بسرقة ملفات قوائم مرشحى أحد الأحزاب، وأخرى بالتشكيك في فوز إحدى القوائم بالتزكية، ناهيك عن الطعون بسبب استبعاد عدد كبير من المرشحين متعاطى المخدرات، بخلاف من يتعاطون ولم يثبت عليهم ذلك، بما يشير إلى إمكانية العودة إلى برلمان نواب الكيف في منتصف ثمانينيات القرن الماضى، الفارق هو أن الحديث في السابق كان عن عدد من الأشخاص يُعدُّون على أصابع اليد، الآن اختلفت الأوضاع مع تطور عائلة الترامادول، وفصائل السبرتو، والإصرار على ترشيح الواد بانجو وأمثاله.
المؤكد أنه مع حالة الْعُسْر الاقتصادى التي تمر بها البلاد، وحالة الإحباط العام لدى أفراد المجتمع، في الوقت الذي تتزايد فيه الدعوات إلى مقاطعة الانتخابات، كنوع من أنواع التعبير عن الرأى بخصوص المرحلة، تصبح الدولة المصرية في وضع لا تُحسد عليه أمام العالم الخارجى أيضاً، وبصفة خاصة إذا أخذنا في الاعتبار أن هناك الآن في الخارج ما يطلقون على أنفسهم، البرلمان الشرعى، ينطلق من تركيا، ويتحرك في عواصم أوروبية عديدة، ويتلقى دعوات، ويشارك في فعاليات.
هذا الأمر يضعنا أمام مسؤولياتنا، من حيث أهمية إخراج العملية الانتخابية في كل مراحلها بالشكل الذي يليق بمصر، حتى نضمن اعترافا سهلا من العالم بالبرلمان الجديد، لأن البديل هو مزيد من الاعتراف بالآخر، من المهم أن نحذف من قاموسنا الانتخابى والبرلمانى مصطلح التزوير بكل مراحله، من المهم أن نؤمن باحترام خيارات الشعب، حتى لو كانت تتعارض مع رغباتنا كسلطة تنفيذية، أو حتى سلطة أمنية، من المهم أن نعى أن الشعب هو مصدر السلطات في النهاية، وليس هذا الشخص، أو تلك الجهة.
ما هو واضح حتى الآن، أن الأوضاع لا تسير على هذا النحو، الاتهامات مبكراً بالسرقة، بالتزوير، بالغش، بالخداع، بالتعاطى، بالمواءمة، بل إن هناك من يؤكد أنه لم يتقدم للترشح إلا بتعليمات أمنية، ومن يؤكد أنه حصل على وعود بالتأهل، ومن يهدد بطعون جاهزة بعدم الدستورية، ومن يشككون في نزاهتها، أو ربما حتى في إتمامها، ولهم في ذلك شواهدهم، جميعها أوضاع ليست على مستوى المرحلة أبداً.
وبجانب المخاوف الخارجية، هناك أوضاع داخلية لم يَعُد يُحتمل معها تأجيل الانتخابات من جهة، ومن جهة أخرى لن تتقبل انتخابات منقوصة بأى شكل من الأشكال، بمعنى أن عمليات التزوير سواء خلال مراحل إجراء العملية الانتخابية، أو خلال إعلان النتائج بما يؤكد على نتائج كان متفقاً عليها سلفاً، لن تجد قبولاً بأى شكل من الأشكال، ويكفى هنا التذكير بأن ملابسات الانتخابات البرلمانية في عام ٢٠١٠ كانت هي شرارة الانطلاق في ٢٥ يناير ٢٠١١، بمعنى أننا سوف نكون أمام مغامرة غير محسوبة العواقب.
فكما أن العالم يتوقع مرحلة جديدة من الحراك الديمقراطى، فإن الداخل ينشد مستقبلاً أفضل في جميع المجالات، وربما كانت الانتخابات البرلمانية هي الاختبار الأول الحقيقى للعلاقة بين الدولة والمواطن على امتداد العامين الماضيين، وبالتأكيد سوف يرتفع أو ينخفض مؤشر هذه العلاقة، سلبا أو إيجابا، تبعاً لمدى نجاح هذا الاختبار من عدمه.
إلا أن المواطن سوف يتقبل هو الآخر النتائج أياً كانت، طالما يثق في أن هذه هي خياراته، قد يضم البرلمان الجديد راقصات، وقد يضم مدمنى مخدرات أو حتى تجاراً، وقد يضم متهمين في قضايا أمن دولة لم يتم فتحها بعد، وقد يضم فاسدين، وقد يضم أفاكين، وقد يضم كل هؤلاء في وقت واحد، للأسف العبرة لدينا بصحيفة الحالة الجنائية وفقط، ومن هنا كان على الناخب التدقيق الشديد حال الاختيار، إلا أن اختراع ما تسمى بالقوائم قد حال دون ذلك، فربما نسبة كبيرة بين الناخبين في دائرة ما، لا يعرفون من هؤلاء الذين تضمهم القائمة، والكارثة الأكبر هي حينما يسمع المواطن أن هناك قوائم قد عبرت إلى البرلمان بالتزكية، من الذي زكَّاها، وما هي ملابسات صك التزكية هذا، لا أحد يدرى.
بالتأكيد نحن أمام واقع أليم، فرضَهُ علينا دستور حُسن النية، الغريب أن الدستور نفسه كان كذلك، حالة همايونية، رغم إجراء ما يُسمى بالاستفتاء عليه، ومن قاموا بوضع الدستور أيضاً كانوا كذلك، نتاج مرحلة متوترة ومتسرعة متخمة بالأخطاء التي يبدو أننا سوف نظل نسدد فواتيرها لسنوات طويلة، الحكومات المتعاقبة أيضاً كانت كذلك، تحصيل حاصل، والنتيجة ما نحن فيه الآن.
بالتالى كان من الطبيعى أن تبدأ المهاترات البرلمانية مبكراً، والأدهى أنها لن تتوقف، يبدو أن العرض مستمر، هي مجرد فصل من فصول المرحلة.