تحدث كثيرون عن الهجمة على الدستور بغية تعديله، عقب تصريح الرئيس السيسى الذي تحدث فيه عن أن الدستور قد كتب بنية حسنة، وأن الدول لا تبنى بالنوايا الحسنة.. تحدث كثيرون عن الفجاجة في الهجمة على الدستور بل على لجنة الخمسين، إلى حد أن قرر أحدهم أنه سيعلن أسماء الخمسين، فردا فردا، وكأنهم قائمة من المجرمين..
هذه الفجاجة التي تخطت كثيرا فجاجة أتباع الحزب الوطنى في سبيلهم للدفاع عنه تفتح الباب للعديد من التساؤلات أولها هو من الذي يحرك هؤلاء وأين مؤسسة الرئاسة من أنهم يتحدثون ويتحركون وكأنهم في ظهرها، ولا يقول لى أحد إنهم يتحركون من تلقاء أنفسهم بدافع من النفاق للرئيس فلو كان هذا صحيحا لخرجت علينا الرئاسة بتصريح ترد فيه الأمور إلى نصابها.. وهذا ليس دفاعا عن الرئاسة بقدر ما هو إعادة لثقة الناس في أننا لا نعود لنفس المربع قبل ثورة 25 يناير وبأداء أسوأ من إعلاميى النظام إن كانوا كذلك.
السؤال الثانى هو أين هذا الأداء الإعلامى من قواعد المهنة التي تلزم بعدم الخلط ما بين المعلومة والرأى وهم يعلنون أنهم ضد هذا الدستور الكارثى لكنهم وقفوا وهللوا وطالبوا الناس بنعم على هذا الدستور لأنه كان عليهم أن يفعلوا ذلك لكى نمرر هذه المرحلة ونتمم استحقاق الدستور، أي أنهم بكل بجاحة يقولون للناس لقد كذبنا عليكم وضللناكم.. أين هذا من الأداء الإعلامى الصحيح؟ السؤال الأهم عندما يكون لدينا تشريعات إعلامية ومجالس وطنية للإعلام تحاسب على الأداء هل ستتم محاسبة هؤلاء؟
هذا الذي يجرى بهذه الفجاجة ألا يدفع لجنة الخمسين للتحرك ليس دفاعا عن نفسها ولكن دفاعا عن الدستور.. إن ترك المجال خاليا إلا من هؤلاء لا يفعل شيئا سوى أنه يجعل المجال مفتوحا لهم وحدهم.. هذا الوطن ليس عقيما حتى تصل فيه الأمور إلى مثل هذا الحد دون أن يتحرك أحد لوقف مثل هذا الأداء بل الرد عليه أملا في شىء واحد، أن يدرك العامة أن هناك آراء أخرى واتجاهات أخرى بل حقائق أخرى غير تلك التي يراد لهم ابتلاعها من خلال الصراخ والعويل ودعاوى الوطنية المزيفة.. إن مثل هذا الانقلاب الذي نجده ما بين الدعوة للدستور والصراخ بأنه أفضل دستور شهده العالم ومطالبة الجماهير بالنزول لإقراره.. إلى الصراخ ضد هذا الدستور ووصفه بالكارثى والمطالبة بضرورة تعديله والإعلان عن استهداف من وضعه، هو بالضرورة كشف لعورة هذا الإعلام الذي يدلل على أنه قادر على أن يروج أي شىء وكل شىء حتى لو كان الشىء ونقيضه.. تستطيع أن تكذب بعض الوقت لكنك لا تستطيع أن تكذب كل الوقت دون أن يتم كشفك.. لكننا لا يمكن أن نعول فقط على فراسة الناس التي تتابع هذا الإعلام لتدرك طبيعة دوره وكم ضللها، فالساكت عن الحق شيطان أخرس ونحن ما زلنا في انتظار كل من يمسه هذا الأداء الإعلامى، بعد هذه السقطة الإعلامية الكبرى.
نحن في انتظار تصريحات الرئاسة هل هذا الأداء الإعلامى يهدف حقا لتمرير تعديل الدستور لأن هذا هو ما يريده الرئيس؟ نحن في انتظار تصريح يخرج من لجنة الخمسين تدين فيه ما تردد حولها بعد أن وصل الأمر إلى هذا الحد المخزى من استهداف أفرادها الذين كانت مشاركتهم في هذا العمل تعد تشريفا لهم فباتت تهمة لهم..
أنا أعلم أن الأمور باتت مختلطة وغامضة، لكن أن تصل الأمور إلى هذا الحد الفاضح فلا يمكن السكوت عن هذا أكثر من ذلك، دون أن نعلم على من يحسب هؤلاء، ولن نكتفى بمن يبرئ الرئاسة والرئيس من دفع هؤلاء لهذه الهجمة المنظمة على الدستور وواضعيه ببساطة، لأن هذه الهجمة هي بالأساس علينا نحن المواطنين الذين خرجنا لإقراره.