أهنئكم بالعيد وأهديكم هذه القصة الرومانسية الرقيقة للأديب محمد نبيل.
«عند لقائنا يا محمد، أعرف أننا سنكون طبيعيين. أريد أن نحتسى القهوة سويا وأنت تتحدث..عن أي شىء! ليس مهما الموضوع. المهم أن نتواجد في نفس المكان والزمان.. عند اللقاء».
استيقظت صباحا على أصوات العصافير التي تقف على سور شباكى الخشبى. أرى ظلالهم المنعكسة على زجاج الشباك فأتمنى أن أمتلك ألوانهم وأجنحتهم. أسمع صوت حركة أمى في المطبخ. كم أحب أن أراها وهى تعد شاى الصباح، نتقاسمه في شرفتنا التي تفترشها الشمس وتمتلئ بالنباتات العطرية المختلفة، وأنا أفكر أنه نهاية اليوم سوف يصلنى خطاب من «نورا».
«نورا» صديقتى الإيطالية التي تعيش على سواحل البحر. تعرفت إليها عبر أحد مواقع التعارف. مرة واحدة تواصلنا إلكترونيا ثم اتفقنا خلالها أن نتراسل عبر البريد بالطريقة القديمة. أعجبتنى الفكرة وأعجبتها. مصاب أنا بالنوستالجيا، وأحنّ إلى كل ما هو قديم.
اعتدت أن يأتى جارى سعيد، والذى يعمل في مصلحة البريد، بعد انتهاء عمله في الثانية ظهرا، حاملا الخطاب الخاص بى كالعادة، في آخر خطاب كانت كلمات نورا قليلة مقلقة: «محمد. أتمنى أن تكون بكامل الصحة! ما أجمل الحياة بكامل الصحة! أمى مريضة جدا وتم إدخالها المستشفى. ادعُ لها في صلاتك».
بالطبع كان ردى حنونا متضامنا. أخبرتها أننى دعوت لها في صلاة الفجر. أخبرتنى هي أنها طلبت لى الخير في صلاة الأحد. تبادلنا الرسائل عن الأديان وقصص الأنبياء. سعيد تأخر! لم يأتِ بالخطاب المنشود. شرعت أتفحص الخطابات القديمة. خطابها الأول. خطها المميز. رائحة الورق. طابع البريد الإيطالى. شكل المظروف. روح نورا تشع من كل التفاصيل، هذا ما يميز الطريقة القديمة عن المسخ الإلكترونى! سعيد جاء! يفتح حقيبته الجلدية البنية اللون. يفصل الرسائل. يرفعها للأعلى. هناك شىء جديد. وردة حمراء صغيرة جافة، لها رائحة قوية.
«محمد اشتقت إليك كالعادة منذ رسالتنا القديمة. أعرف أنك اشتقت إلىّ. اكتب عن الحرية وأنا سأفعل أيضا».
هذه هي نورا الذكية. نورا الدافئة. الحرية هي الكمال المطلق. أشعر بالحرية وأنا أكتب إليك. أصلى للخالق كى يجمعنا معا. تمر الأيام ورسائل نورا بمثابة سكر أيامى. كلانا يعرف أننا نحب بعضنا البعض، ولكن لم يصرح أحدنا بذلك.
«سعيد» لم يعد يطرق الباب. رسائل نورا لا تأتى. أسأله عن خطابى فيقول إنه لا خطابات هناك. أعود إلى البيت معانيا الحزن والانتكاس. نورا لم ترد على خطاباتى الأخيرة. مر شهران على آخر خطاب. هل أراسلها على بريدها الإلكترونى؟ ولكن هذا يخل باتفاقنا. أراجع رسائلى القديمة. ربما أكون قد ضايقتها دون قصد. ولكنى لا أعرف كيف أفعل هذا، حتى بقصد....
الأيام تمر. أصبحت لا مباليا بما يدور حولى. مصباح الحياة انطفأ. أصبحت كتلة من البرد. قراءة رسائل نورا تزيد تعاستى. ليتنى كنت كالآلات أستطيع أن أقطع سلك الحزن!
عطلة نهاية الأسبوع.. استيقظت على صوت أمى وأختى مختلطا بصوت غريب يتحدث الإنجليزية!
خرجت إلى الصالون قبل أن أرتب هندامى. أمى تنظر نحوى بدهشة. وبجوار أختى فتاة شقراء. التفتتْ نحوى ببطء. رباه! إنها نورا!
«عند لقائنا يا محمد، أعرف أننا سنكون طبيعيين. أريد أن نحتسى القهوة سويا وأنت تتحدث..عن أي شىء! ليس مهما الموضوع. المهم أن نتواجد في نفس المكان والزمان.. عند اللقاء».