رغم أنه لم يَغِبْ عن ذاكرتى منذ رحيله، لكنها إحدى المرات القليلة التي تمنيت أن يكون والدى حاضراً فيها، ليفرح بفوز الزمالك بثنائية الدورى والكأس، التي غابت عن الأبيض منذ 26 عاماً، وهى فرحة طالما ضنَّ بها الزمالك على جماهيره، وقسا عليهم، وأذاقهم المر والعذاب والحزن والنكد والكآبة، لكنها الآن باتت حقيقة واقعة وسعادة تستحقها هذه الجماهير الوفية المحبة لمدرسة الفن والهندسة، التي لم تَنَلْ منها الخسارة، ولم يكسرها الحزن، ولم تصرفها الهزائم عمَّن تحب، وظلت وفية حتى جاء الفرج والنصر المستحق والفرحة الكبيرة على يد لاعبين مغمورين، لم يعرفوا النجومية، ولم يتربوا في بيئة زمالك الخسارة، لم تلوثهم ملايين رجال الأعمال، التي أفسدت المواهب وأضاعت الفرص، فأعادوا كتابة تاريخ هذا النادى العظيم، مع مدرب محنك وقدير وذكى، لم تأكل الشيخوخة رأسه، ولم يَنَلْ كبر سنه، 77 عاما، من شباب عقله، فأدار الفريق بالميزان والمسطرة فنياً وبدنياً، وبالعدل والقسوة الصامتة، وما أدراك ما القسوة الصامتة كاستبعاد «الشناوى»، أفضل الحراس في مصر، دون أن نسمع صوتاً، أو جلوس حازم إمام على الدكة في مباراة القمة، دون أن نشعر بغيابه، فالرجل ينفذ أفكاراً بلاعبين، ولا يرص لاعبين في مراكز، وهذه قصة مختلفة في التدريب غائبة عن الأهلى وأندية أخرى كثيرة، فهل يُعقل أن حمادة طلبة، صاحب الـ33 عاما، يلعب في مركز الظهير الأيسر، وهو الذي لعب أغلب حياته في مركز المساك، لينضم- وهو قاب قوسين أو أدنى من الاعتزال- لصفوف المنتخب، مَن يجرؤ على ذلك سوى مدرب كبير؟
إنه البرتغالى «فيريرا»، مفتاح السر، الساحر العجوز، جاميكا الزمالك، الذي قلب الموازين وصنع كوكتيل السعادة للزملكاوية من مجموعة لاعبين جاءوا من عشرة فرق ليجمعهم الساحر العجوز على الفانلة البيضاء، ويحرز بهم بطولتين ولا في الأحلام، فمبروك لجماهير الزمالك و«فيريرا» واللاعبين ومجلس الإدارة لهذين الإنجازين الغائبين.
أما عن الأهلى، فهذا هو العدل، وخسارته لم تفاجئنى على الإطلاق، ولو أعدتم قراءة ما كتبته في هذا المكان قبل ما يقرب من شهر ونصف الشهر، وبالتحديد 12 أغسطس الماضى، في مقال بعنوان: «أزمة إدارة الكرة في الأهلى بين المُسَكِّنات والحلول الجذرية»، فستجدوا الجواب الشافى الوافى للمشهد المؤسف الذي ظهر عليه الفريق ليلة الإثنين الماضى، فريق عاجز فنياً وإدارياً، وعندما أقول إنه عاجز فنياً، فأنا لا أقصد الإساءة للكابتن فتحى مبروك، فالكرة الحديثة وطرق اللعب تجاوزته بسنوات، وهذا ليس عيبه، بل خطأ لجنة الكرة، التي لم تضع الرؤية الفنية لاختيار جهاز يملك القدرة على إدارة هذه الكوكبة من اللاعبين، الذين تعاقدت معهم الإدارة هذا الصيف، ودفعت فيهم الملايين ليستبعدهم «مبروك» من حساباته، زارعاً أولى بذور الفتنة بين القدامى والجدد، بعد أن كانت في الموسم الماضى بين الشباب والكبار، فالفتنة دائماً حاضرة في فريق الأهلى، ولا تجد مَن يخمدها، بل إن هناك مَن يرعاها ويزكيها ويطبق سياسة «فَرِّق تَسُدْ»، وهى السياسة التي أضاعت الدورى من الأهلى، ثم أضاعت الكأس، والبقية تأتى، إذا لم تنتبه الإدارة وتتحرك سريعاً دون أن تخشى التغيير الذي بات أمراً مفروضاً، فإن لم تفعل، فلا أستبعد أن تتزلزل الأرض من تحتها أيا كانت إنجازاتها المالية والإنشائية.
وعندما أقول إن خسارة الأهلى هي العدل، فإننى لم أقصد مباراة الكأس بالتحديد، أو التفوق الفنى الكاسح لـ«فيريرا» على «مبروك»، بل كنت أعنى الظلم الذي ترتكبه إدارة الأهلى الكروية، وغياب العدل في التعامل مع اللاعبين، والأمثلة هنا أعجز عن حصرها من كثرتها، وإن كنت أذكر منها التغاضى عن عقاب اللاعب حسين السيد، بعد تجاوزه ضد أحد أفراد الجهاز الفنى، عقب إحرازه الهدف في مباراة بتروجت، وهو التجاوز الذي شهده الملايين على شاشة التليفزيون، لكن المشرف على الكرة تغاضى عنه ولم يعاقبه، بل تمت مكافأته بمشاركته أساسياً في النهائى، في حين عُوقب لاعب آخر بخصم 150 ألف جنيه من مستحقاته، لأنه قذف زجاجة مياه بقدمه، اعتراضاً على تغييره، من الظلم أن يُعاقَب وائل جمعة، مدير الكرة، ويُمنَع من السفر، ويُرَحَّل، لأنه أخطأ في تصريحات صحفية ضد حسام غالى وعبدالله السعيد، بينما لا يُعاقَب اللاعبان ويستمران في النادى بحماية المشرف على الكرة. الظلم أن يُقال إن محمد يوسف وجاريدو ووائل جمعة أخطأوا في تصريحات صحفية، بينما لا يقترب أحد من علاء عبدالصادق، رغم تصريحاته المثيرة والمهيجة للجماهير وقت أزمة أحمد الشيخ، ثم المسيئة للأهلى نفسه، عندما قال- في تصريحات تليفزيونية: «بطن الأهلى مفتوحة»، تعليقاً على نشر خبر عن إقالته وتعيين «زيزو»، فالظلم دائماً حاضر داخل إدارة جهاز الكرة، ولا أحد يتدخل.
وإلى جانب الظلم، هناك الأخطاء الإدارية الفاضحة، التي دفع الأهلى ثمنها في مباراة القمة، فكما شاهدتم، جاءت خسارة الأهلى للكأس من أخطاء دفاعية، وهى كما تعلمون أخطاء متكررة في جميع المباريات: دورى وكأس وبطولة أفريقيا، ولا تخلو مباراة من هذه الأخطاء، وأى مشجع بسيط يشاهد الكرة لأول مرة في حياته سيكتشف هذا الخرم، إلا جهاز الأهلى والمشرف عليه ولجنة الكرة، التي وافقت على قيد شريف عبدالفضيل وشريف حازم، وسبق أن كتبت في هذا المكان، وقلت إنهم يرتكبون جريمة بقيد الثنائى ومعهما «جدو»، لكن لم ينتبه أحد، وأصر الكابتن علاء عبدالصادق على تجديد التعاقد مع «جدو» و«عبدالفضيل» مقابل ملايين الجنيهات كمكافأة منه لهما على خدماتهما الجليلة للأهلى- (للعلم: جدو مصاب من عام ونصف العام، وشريف ظل مصاباً عامين، والأهلى بالنسبة لهما منتجع مدفوع الأجر للاستشفاء)، المهم- وبعد أن أنقذ محمود طاهر، رئيس النادى، نفسه ودفاع فريقه، وأصر على التعاقد مع مدافعى منتخب مصر: رامى ربيعة وأحمد حجازى، قبل ثلاثة أسابيع، على غير رغبة المشرف على الكرة، وبينما انتظم اللاعبان في التدريبات، واستبشرت الجماهير خيراً بعودة الانضباط لهذا المركز الحساس- لم يُفلح الأهلى في قيدهما حتى الآن، بسبب فشل المشرف على الكرة في إقناع جدو وشريف عبدالفضيل بالرحيل، بعد تمسكهما بالحصول على كامل مستحقاتهما عن الموسم القادم، وبالتالى خسر الأهلى ربيعة وحجازى في مباريات الكأس، وكما شاهدتم بأعينكم فقد جاءت خسارة البطولة من خطأين دفاعيين، وكأنه ليس مهماً أن يفوز الأهلى، لكن المهم أن نحافظ على جدو وشريف عبدالفضيل.
للمرة الثالثة أقولها: الأهلى يملك أفضل وأمهر وأقوى لاعبين في مصر، لكن هذه البضاعة ستفسد إذا لم تَثُرْ إدارة الأهلى على نفسها، وتُجرى تغييرا شاملا في الجهاز الفنى والإدارى والطبى والبدنى، وكما قال أينشتاين: «من الخطأ فعل نفس الشىء مرتين بنفس الأسلوب ونفس الخطوات وانتظار نتائج مختلفة».
اللهم بلغت.. اللهم فاشهد.