مَن يَعُدْ بالذاكرة خمس سنوات إلى الوراء، قبيل جميع التغيرات السياسية التي حدثت في الوطن العربى من أدناه إلى أقصاه، مطلع عام 2011، سيلاحظ أن الأمر بدأ مع السودان، مع انفصال جنوب السودان، الذي ظن البعض أنه سيُنهى سنوات من الصراع، لكن ذلك لم يحدث، ففى حين غرق جنوب السودان في صراع داخلى- بعد النزاع المسلح الذي دارت رحاه بين رئيس الدولة سلفاكير ميارديت، وبين ريك مشار، زعيم المتمردين، النائب السابق للرئيس، وعلى أثره هددت الأمم المتحدة بفرض عقوبات على جنوب السودان إذا لم يتوصل الطرفان إلى عقد صلح بينهما، وهو ما دفع لعقد اتفاقية سلام بين الطرفين- استمرت في المقابل حالة الانقسام والانشقاق في السودان منذ ذلك الوقت حتى الآن، ومازالت الأزمة تراوح مكانها، والحرب لاتزال تشتد، بلا أفق واضح للحل أو ملامح انفراج، خاصة في إقليم دارفور، أو في منطقة أبيى، المتنازع عليها بين السودان وجنوب السودان، وأيضاً منطقتى النيل الأزرق وجنوب كردفان اللتين تشهدان صراعا وتتجهان نحو الانفصال.
انشغل العالم العربى خلال السنوات الخمسة الماضية في قضايا أخرى، مثلما حدث في مصر وتونس، وما يحدث حتى الآن في العراق وسوريا وليبيا، لكن ظلت المشكلة السودانية عالقة، تظهر في الإعلام حيناً، وتختفى حيناً، لكنها كالنار تحت الرماد، التي تهدد السودان وأهله بمزيد من التفتت والانقسام، وذلك بسبب فشل مبادرات الوفاق الوطنى بين الحزب الحاكم في السودان والأحزاب المعارضة، فإذا كان السودان يحاول معظم الوقت تجاوز الصراع القبلى الحاكم في العلاقات البينية إلى حد كبير، فإنه لم يحاول بعد تجاوز الصراع المرتبط بالنخب السياسية.
الثابت أن هناك تمسكاً من الجانبين: الحزب الحاكم والمعارضة، كلٍّ بمواقفه- رغم كل ما يتم من إعلان عن حوارات تنقضى كأنها لم تتم، وآخرها الحوار المرتقب الشهر المقبل، حيث يعتزم الرئيس السودانى عمر البشير الإعلان عن قرارات جديدة هدفها تهيئة المناخ لعملية الحوار الوطنى، حيث تستعد الأطراف لعقد الجمعية العمومية للحوار، في العاشر من أكتوبر المقبل، كما أن هناك تأكيدات على استعداد الحزب الحاكم والحكومة للذهاب للتفاوض مع الحركات المتمردة في منطقتى النيل الأزرق وجنوب كردفان وفى دارفور، من أجل التوصل لسلام شامل ودائم.
لا يمكن- في المقابل- نفى المرونة الحكومية من أجل إجراء الحوار، بعد تعنت عام ونصف العام من كافة الأطراف، وتعثر كبير انسحبت خلاله قوى فاعلة كانت مؤيدة للحوار، بينها حزب الأمة المعارض، بقيادة الصادق المهدى، وحزب الإصلاح الآن، برئاسة غازى صلاح الدين، المستشار الرئاسى السابق، وأن يظل الحوار داخليا «سودانيا- سودانيا»، وهو ما حرصت عليه لجنة الـ«7+7» الخاصة بإدارة الحوار الوطنى في السودان.
الأكيد أنه لا حل ولا طريق أمام الجميع، الحكومة والمعارضة، إلا إجراء الحوار، وعلى كافة الأطراف تقديم التنازلات وإبداء مرونة كبيرة، وإحداث اختراقات في القضايا العالقة، من أجل الوصول إلى حل مُرْضٍ للجميع، وللشعب السودانى الذي دفع الثمن طويلاً، في انتظار الوصول إلى هذه اللحظة، لأن البديل هو الفرقة والتشتت والتفتيت، وهو ما يجب أن يقف السودانيون جميعاً أمامه حتى لا يحدث.