هيكل في الحسين.. «حكايات الأم ومكتبة صبيح وعم حامد حارس البيت»

كتب: رضا غُنيم الثلاثاء 22-09-2015 16:44

في أسرة برجوازية متوسطة تمتلك منزلًا مكونًا من 3 طوابق بحي الحسين، عاش الطفل «محمد» الذي جاء من زيجة ثانية لأب يقرأ ولا يكتب، في أجواء تشهدها مصر لأول مرة في تاريخها، إذ كانت السنة التي ولد فيها هي نفس السنة التي كُتب فيها أول دستور للبلاد عقب ثورة جمعت الشعب بكل طوائفه (1919).

أمنية الطفل أن يصبح طبيبًا، والأب يريده أزهريًا، فيما كانت الأم تريده بصورة مختلفة، متأثرة في ذلك بشقيقها الذي قرر تعليم أولاده تعليمًا مدنيًا. رغبة الأب انتصرت، التحق الابن بالأزهر، لكن الأم أنقذته من ارتداء العمامة بعد أيام، وأخرجته من الأزهر، أثناء سفر الأب الذي يعمل تاجرًا للحبوب إلى السودان، وألحقته بمدرسة «خليل أغا»، إحدى المدارس التابعة لمدرسة التوفيقية الثانوية، ثم درس في مدرسة التجارة المتوسطة، وفيها عرف رفيق دراسة التقيا واختلفا فيما بعد هو إحسان عبدالقدوس.

يقول «هيكل»: «أتذكر صورة مشواري صغيرًا معها في وسط البلد لمحل اسمه (بلاتشي)، حيث اشترت لي بدلتين جديدتين مع المناسبة الجديدة، وبعدها بأيام كنت أجلس تلميذًا في سنة أولى بمدرسة (خليل أغا).. أمي عملت انقلابًا جذريًا في حياتي».

لم يكن الانقلاب الذي لعبته الأم في حياة «الابن» متوقفًا على إخراجه من الأزهر، بل البراعة في الحكي التي يتميز بها «هيكل» يعود السبب فيها إلى الأم، التي كانت تُجيد الإنجليزية، إذ كانت تتمتع بجاذبية في رواية الحكايات، وكان صوتها يصل إلى مسامعه عندما كان صغيرًا وهي تروي لأبيه حكايات وتقرأ له سيرة الظاهر بيبرس، وأسطورة الأميرة ذات الهمة، حتى إنه كان يقاوم النوم ليسمع تلك الحكايات، يقول: «إن هذا الكلام يأتيني ويدخل رأسي ويفتح لي أشياء كثيرة، ولكن أبي وأمي لم يكن في بالهما أن كل هذا سيؤثر فيّ».

من ضمن الشخصيات التي تأثر بها «هيكل»، «سلام» شقيق والدته، حيث كان يمتلك مكتبة بمندرة الضيوف في الدور الأرضي تحوي كتب التراث والأدب والأساطير الشعبية، أتت له من مكتبة صبيح، إذ كان أصحابها أصدقاء له، قرأ «هيكل» بتشجيع خاله، وساعدته تلك المكتبة في تكوين ثقافته، يتذكر: «وقع في يدي كتاب ضخم يرهبني عنوانه (أدب الدنيا والدين)، مازلت أذكره، ومازلت أحس رهبة قراءة أشياء لا أفهمها، ولكني أحاول».

شخصية ثالثة أثرت في «هيكل» منذ طفولته، وهو حارس البيت «عم حامد»، الذي قاتل في صفوف الجيش المصري في القرم بأمر من الخديو إسماعيل، هو من أطلع هيكل على عالم الحروب، حكى له ذكرياته في القتال: «له دَين كبير عندي، أثار في خيالي أشياء كثيرة بما كان يرويه من ذكريات عن الحرب»، بعدها بسنوات، كان هيكل يغطي معارك الحرب العالمية الثانية في العلمين.

عوامل كثيرة يحكيها عادل حمودة في كتابه «هيكل: الحياة.. الحرب.. الحب»، أثرت في خريج التجارة المتوسطة، ودفعته لاستكمال الدراسة في الجامعة الأمريكية، وتعلم اللغتين الفرنسية والألمانية، منها أساتذته في مدرسة التجارة الدكتور زهير جرانة، أستاذ القانون، والسيد أبوالنجا، خبير في إدارة المؤسسات الصحفية، واطّلاعه على أدب العقاد وطه حسين ومحمد حسين هيكل، وتأثره كغالبية المصريين آنذاك، بمشهد زعيم حزب الوفد، مصطفى النحاس، حينما سافر عام 1937 لإلغاء الامتيازات الأجنبية، وهو يلوح لمودعيه الذين خرجوا بمظاهرة حتى محطة السكة الحديد بالمنديل الأبيض.

يضيف «حمودة»: «اقتنع هيكل بأن شهادة التجارة المتوسطة لا تكفي لتحقيق رغبته في الكتابة الأدبية، وحلمه أن يصبح كاتبًا وصحفيًا في وقت كان التداخل بين الأدب والصحافة سمة أساسية في الصحافة، وساعده على تجاوز أزمته مستر بروان، أستاذه في المدرسة، واقترح عليه أن يدخل القسم الأوروبي بالجامعة الأمريكية».