غدا إن شاء الله أول أيام عيد الأضحى فكل عيد وأنتم بخير، ولأن العيد عندنا في مصر يرتبط بمظاهر عديدة، منها أفلام العيد وما يسبقها من إعلانات عنها تحوى عادة بعضا من أبرز مشاهدها وأبطالها وأقوالهم المأثورة، فقد اتصل بى صديق أثق في حسن تقديره وحبه وفهمه للفن السينمائى، اتصل بى وهو يكاد يصرخ اعتراضا على ما شاهد وما سمع، يقول: أين الرقابة على المصنفات الفنية؟ أين رقابة القنوات التليفزيونية الفضائية؟ كيف يمكن لهذه الكلمات الفجة ذات الإيحاءات الجنسية الصريحة غير المستترة أن تقتحم بيوتنا هكذا دون اعتبار لآداب متعارف عليها في مجتمعنا، أو لوجود أطفال يلتقطونها ويرددونها دون فهم، باعتبارها مباحة على شاشات البيوت؟ يقول: أولادى إلى جوارى أخجل منهم وهم يسألوننى عن معنى ما يسمعون وما يشاهدون، فأشعر بالحرج وأحاول التنصل منهم، ثم مع تكرار تلك الإعلانات أصبحت كلماتها تعلق بألسنتهم ويرددونها بغير اكتراث فأصاب أنا بالذعر وكأننى فتحت نوافذ بيتى رغما عنى لهواء فاسد وتعليقات متردية تدّعى خفة الظل. سألنى: أين الرقابة على المصنفات الفنية التابعة لوزارة الثقافة؟ هل انتهى وجودها؟ وإذا كانت تلك الكلمات التي تلطم الآذان داخل الأفلام لم تلفت نظرها ولم تحركها للاعتراض عليها فماذا تعمل إذن؟ ويضيف: فإذا كانت تلك الأفلام قد مرّت مرور الكرام على الجهة المنوط بها مراقبة ما يُعرض على الجمهور العام فكيف لم تتنبه القنوات الفضائية التي تعرضها مراراً وتكراراً أنها تشارك في إفساد الذوق العام وتسىء إلى مشاهديها؟
ولأن ذلك الصديق فنان أثق في كلماته فقد أوصانى بمشاهدة إعلانات بعض أفلام العيد مجمعة على اليوتيوب دون انتظار لمتابعتها على الشاشات، ومن جديد أقول: هالنى ما رأيت وما سمعت، وأدلى برأيى دون أن أخشى اتهامى بأننى ضد حرية الإبداع وأننى أسىء إلى أعمال فنية مبهرة اسمها أفلام العيد تلقى رواجاً وإقبالاً جماهيريا وتحقق الملايين وتغدق على صانعيها بالملايين أيضا، أقول إن ما رأيته وسمعته من خلال مقدمات تلك الأفلام إنما يسىء إلى الفن ولا صلة له بحرية الإبداع، وتلك المعانى والكلمات التي أصبحت تردد بلا خجل وبلا حدود يلتقطها الصغار والكبار كى تكون مفردات جديدة دخيلة في لغة الشارع المصرى تستقر به بعد حين، وما يأتى بتلك الأفلام من تصرفات وحركات وإشارات غير مهذبة تصبح مع التكرار تصرفات وإشارات عادية لا تستدعى الاستهجان أو الاعتراض، كأن مصر لم يعد بها إلا البلطجة والسرقة والنصب والتحرش والاغتصاب، وكأن لغة أهلها لم تعد تعرف إلا القبح وعدم الحياء.
وأؤكد أن غياب الدولة عن مجال رعاية ودعم الإنتاج السينمائى الجيد والتقاط السينمائيين الموهوبين من الشباب، وترك المجال السينمائى لكل من هبّ ودب ومعه المال فقط، ليصنف نفسه منتجاً سينمائياً، هو خطأ يجب سرعة تداركه إنقاذا وحفاظا على البقية الباقية من سمعة السينما المصرية، وعلى صورة مصر وشعب مصر من خلالها.