حديث الثلاثاء.. حرباء الإعلام

مي عزام الإثنين 21-09-2015 23:15

سميتها «وصيفة»، لأنها كوصيفات الملكة، تلك الشخصيات التي تعيش في كنف السلاطين والملوك، تتمتع بحقوق الحماية والرعاية في مقابل الولاء التام والخضوع المطلق.

والدها طبيب ثرى، صديق لكثير من المشاهير، ومن بينهم مالك الصحيفة التي تعمل بها، ورئيس التحرير أيضا، لذلك كانت الصحيفة ملكية خاصة لها، عليها فقط أن تختار القسم الذي تريد أن تبدأ منه رحلتها. تدربت في قسم البرلمان، ثم اختارت بعد فترة وجيزة مجلس الوزراء، حتى تجرأت وطلبت أن تلتحق بالعمل كمندوبة في الرئاسة، لأنها أجادت مبكرًا اللعب مع الكبار، وتريد أن تبدأ من حيث ينتهى الآخرون، توسعت في علاقتها، وحققت شهرة في مجالها، ليس بسبب تميزها المهنى، ولكن بسبب جمالها وملابسها الفخمة المثيرة، وعطورها الباريسية النفاذة.

كانت أشبه بموديل متحرك للإعلان عن عطر «دون» وأحدث صيحات «كريستيان ديور»، تتحرك برشاقة عارضات الأزياء، وتتكلم بهمس ودلال، أما العمل فهذه مسألة لها حل، فالمال يصنع المعجزات، لذلك وضعت عينيها على صحفى مخضرم في ديسك الجريدة، واتفقت معه على مرتب شهرى منتظم مقابل صياغة الأخبار والموضوعات والتقارير التي تكتبها أو تمليها له، وتوصيه دائما ب«التحبيشة» إضافة معلومة أو تحليل بما يجعل شغلها أكثر عمقًا وجاذبية. اقتربت وصيفة من قادة صنع القرار، كانت جميلة غنية تجيد حفظ الأسرار وتقديم الخدمات والتنازلات وممتازة كحلقة وصل، استطاعت خلال سنوات قليلة أن تحصل على ثقة الكبار في الدولة، وتحولت إلى مركز قوة في جريدتها، رئيس التحرير نفسه لا يستطيع أن ينازعها في مطلب، طلباتها أوامر، لها عيون وأنصار يعملون لحسابها ويخطبون ودها، أصبح مكتبها الملاذ الأخير لأى زميل عجز عن حل مشكلته مع وزارة أو يريد واسطة من وزير.

المفاجأة التي لم يفهمها أحد حينها أن وصيفة طلبت من رئيس التحرير أن تترك العمل في الرئاسة، لتترأس القسم الاقتصادى، تعجب رئيس التحرير من طلبها، لكنه وافق فورًا، كانت وصيفة تخطط هذه المرة للعمل مع رجال المال والأعمال، كانت تريد أن تستثمر علاقاتها السياسية لتمرير صفقات وترتيب علاقات يدفع فيها رجال الأعمال الكثير والكثير، وبعد أشهر قليلة من رئاستها للقسم أنشأت ملحقًا للمال كان يحقق لها أكثر من 150 ألف جنيه شهريا عمولة إعلانات غير المبالغ التي تحصل عليها «تحت الترابيزة» كما كانوا يقولون في الصحيفة. مصر تتغير وهى أيضا، لقد تحولت إلى عبدة للمال، واحدة ضمن طابور طويل يضم المصابين بالشراهة والعطش الذي لا يرتوى للمال، الصحفية الشابة الجميلة تحولت إلى مندوبة إعلانات، لا تقدم للقراء إعلامًا ولكن إعلانًا مدفوع الأجر، من خلال عملها تعرفت على رجل أعمال ثرى، عاشت معه الحياة التي تمنتها دائما، ولكن دوام الحال من المحال، فقد انتهت علاقتهما فجأة، وقيل إن زوجته وأم أولاده، وهى ابنة رجل مهم في الدولة، عرفت تفاصيل العلاقة وهددتها هي وأبوها بصور لها مع زوجها في أوضاع مخزية. توقع الجميع أن تستقيل «وصيفة» وتحبس نفسها في البيت تبكى حظها العاثر، ولكنها لم تفعل، غابت عدة أسابيع في الخارج، عادت بعدها في «لوك» جديد، حيث أجرت عدة عمليات تجميل كلفتها الكثير.

شفط دهون، وشد للوجه، وتصغير للأنف، وإضافات صناعية لشعرها، وتكبير للشفايف، ورسمت حواجبها بالتاتو، عندما شاهدتها بعد عودتها لم أعرفها للوهلة الأولى بدت كفتيات الفيديو كليب، لكن هذا الجمال المصطنع لم يخف انكسارها الداخلى واهتزاز ثقتها بنفسها. الغريب أننى عندما قابلتها بعد شهر واحد من هذا اللقاء، كانت أكثر شراسة وجشعا، صوتها أصبح أعلى من قبل، وازدادت حدة في التعامل مع الجميع، كان لديها المال والجمال، لكنها كانت تبحث عن السلطة، وبعد أشهر وجدت مرادها في وزير أرمل، نسجت خيوطها حوله، وبالفعل تم الزواج سريعًا، وبدأت تلعب مع الجميع على المكشوف، فقد فتحت بيتها للوزراء، ووثقت علاقتها مع صفوت الشريف رئيس مجلس الشورى، وأنس الفقى وزير الإعلام، وصارت مستشارة لعدد من المجلات، وتتقاضى المكافآت الضخمة دون أن تعمل، وتقرب منها رجال أعمال كثيرون يبحثون عن باب للدخول إلى جنة جمال مبارك، وعينوها كمستشار إعلامى مقابل مبالغ كبيرة، وفتحوا لها أبواب قنواتهم الفضائية، ونقلت نشاطها الإعلانى من الصحف إلى الشاشات، وتصورت أنها ملكت كل شىء، المال والشهرة والسلطة، لكن هذا الهيلمان تحول فجأة إلى كابوس.

اندلعت ثورة 25 يناير، وعصفت بمملكتها في شهور قليلة، توقفت عن الذهاب للجريدة، أصبحت واحدة من طيور الظلام، تمول جماعات تستهدف النيل من ثورة يناير وشبابها، تستخدم علاقاتها في الهجوم على الإخوان، تحت ستار جديد بدأ بالتحضير لمظاهرات 30 يونيو، فقد وجدتها فرصة سانحة لتركب الموجة وعادت من جديد إلى أساليبها السابقة، عادت تظهر في الصحيفة، ونشطت في التليفزيون، وأيدت ترشيح المشير عبدالفتاح السيسى، وكانت حاضرة في كل لقاء له مع الإعلاميين. المضحك المبكى أن «وصيفة» صارت قيادة حزبية، تهتم بالتنسيق لانتخابات البرلمان، عدد من الأحزاب تسعى لضمها لقائمتها، وفى أحد ندوات التقثيف السياسى سمعتها تتحدث بحماس عن مستقبل مصر، وأهمية اختيار النواب الجدد بعناية، حتى لا يعود الإخوان، وتحرص على ترديد شعار «تحيا مصر» بمناسبة ومن دون مناسبة....همست لنفسى: صحيح اللى اختشوا ماتوا!!

ektebly@hotmail.com