أساس الفساد فى إجابة السؤال: من يملك أرض مصر؟

طارق الغزالي حرب الأحد 20-09-2015 21:35

فى كل قضايا الفساد الكبرى فى مصر على مدى العقود الأربعة الأخيرة تجد فى الغالبية العظمى منها عاملا مشتركاً هو المُتاجرة فى أرض مصر وشواطئها ومياهها وآثارها.. الكل يعلم هذا الأمر منذ زمن، ولكن أبداً لم يفكر أحد من الذين تولوا أمر هذا البلد المنهوب فى أن يضع خريطة واضحة لأراضى الدولة ومن له حق ملكيتها والتصرف فيها، وما هى القواعد والقوانين التى تنظم هذا بصورة شفافة وواضحة، ولمن تؤول أموال بيعها أو تأجيرها.. كل ذلك تم التغاضى عنه عمداً، حتى إن تعبيراً صار شائعاً ومُقنناً هو «الملكية بوضع اليد» أى بفرض الأمر الواقع بالقوة، حتى إنه يُخيل إلَى أن هناك قوى كبرى فى هذا البلد قد استولت عليه بكامله بوضع اليد، وصار بمقدورها أن تمنح وتمنع بدون مشورة أحد من سكانه الأصليين الذين ولدوا على أرضه وتضرب جذورهم فى أعماق تربته، ولهم ولأولادهم وأحفادهم نفس حقوق أصحاب القوة واضعى اليد على مُقدراته كلها. كمثال لما أقول فقد قرأت فى صحيفة «الأهرام» بتاريخ 26/8 مقالاً للصحفى المحترم مصطفى النجار، الخبير فى الشؤون السياحية، أشبه بالصرخة المدوية تحت عنوان «من باع ومن اشترى الساحل الشمالى.. وأين الدولة؟»، كتب فيه عن أحلامه التى تبددت فى أن يتحول الساحل الشمالى فى المسافة ما بين مارينا حتى مرسى مطروح إلى ريفيرا جديدة على البحر المتوسط تتيح فرصا هائلة لزيادة موارد الدولة وفرص العمل لأبنائه، وكذلك التمتع لأكبر عدد منهم بما حباه الله لبلدهم من طبيعة جميلة، وذلك بأن تتدخل الحكومة بمنع بناء قرى سياحية لنفرٍ من المصريين الأغنياء يتملكونها على غرار غابة الأسمنت التى أقيمت من العجمى إلى مارينا ولا يسكنها أحد إلا شهرين فى العام لتبقى مهجورة بقيته فى عملية هدر غبية لموارد مصر ومقومات السياحة فيها.. ولكنه صُدم عندما قام بجولة فى تلك المنطقة فوجد قرى سياحية جديدة أنشئت أو فى طور الإنشاء وتباع وحداتها بأسعار باهظة، وأن عشرات الكيلومترات من الشواطئ والأراضى فى هذه المنطقة قد تم بيعه بعشرات ومئات الملايين بعد شرائها بملاليم وتسقيعها أو بوضع اليد عليها، واتضح له أنه لا أحد يفكر بجدية فى مستقبل السياحة بهذا البلد المُستباح ولا فى زيادة موارده ولا فى حقوق بقية سكانه، وهمهم الوحيد هو الاستثمار العقارى الذى يحقق لهم أرباحاً طائلة..

وكما قال الأستاذ مصطفى فإن السؤال يبقى: من باع كل هذه الأراضى؟ ومن اشترى؟ وأين الدولة؟ وأين حق الأجيال القادمة؟ وأين الشفافية؟! لا يمكن إلا أن نقول إنه إهدار لموارد الدولة فى مشروعات لا تضيف شيئا ذا قيمة للاقتصاد الوطنى والدخل القومى، ووراءها أصحاب مصالح وفساد لا مثيل له فى العالم! مثال آخر قرأته فى العمود اليومى للكاتب الكبير فاروق جويدة فى نفس الصحيفة وفى نفس اليوم، حيث نشر رسالة غريبة من أحد المواطنين حول ما سماه هدايا احتفالية قناة السويس الجديدة التى قررها وزير الزراعة السابق الذى أقيل وقبض عليه، حيث بشر فى حديث له بـ«اليوم السابع» يوم 4/8 بأنه سيتم تسليم 1380 حوضاً للاستزراع السمكى خلال مناسبة الاحتفال بتدشين قناة السويس الجديدة لبعض المُستفيدين، وهى عبارة عن أحواض تقع على مسافة 7 كم موازية للقناة.. لم يُصرح الوزير السابق بشىء عن أسماء هؤلاء المستفيدين ولا على أى أساس تم اختيارهم لكنه فقط قال إن مساحة الحوض الواحد حوالى 800 متر مربع وتقع ضمن مشروع تنمية منطقة قناة السويس.. هكذا بكل بساطة توزع بعض من موارد الدولة وفى منطقة هامة وحيوية بدون إعلان عن شروط أو قواعد للحصول على مثل هذه الهِبات والهدايا.. هل هناك مسخرة وفساد أكثر من ذلك إن كان صحيحاً؟!