أمنيّات الإنسان

أيمن الجندي الأحد 20-09-2015 21:35

كان أحمد جالسا مع أمه فى الشرفة. وشرع أحمد يرمق العصافير المحلقة فى الفضاء. تهبط إلى الأرض متى شاءت، لمدة مؤقتة، بعدها تحلق إلى السماء.

قال أحمد: «هل تعرفين يا ماما ماذا أتمنى أن أكون؟».

لم ترد الأم إلا بعد أن كرر أحمد سؤالها عدة مرات. كان واضحا أنها منشغلة البال بشىء ما. لقد سمع أحمد منذ قليل مشادتها مع أبيه بشأن مصاريف البيت. وصرخت أنها لا تستطيع أن تفعل خيرا مما تفعله، وليمسك هو مصروف البيت، ليعرف كم تضاعفت أسعار السلع. هذه طبعا أشياء لا تحظى باهتمام أحمد طالما يحصل على ما يريد. هز رأسه وكأنه ينفى هذا الضجيج غير المهم عن رأسه الصغير، وشرع يعاود سؤال أمه: «هل تريدين أن تعرفى ماذا أتمنى أن أكون؟».

وأرغمت الأم نفسها على الابتسام وترديد السؤال: «ماذا تتمنين يا أحمد؟». قال أحمد سعيدا بالبوح بما يعتمل فى صدره: «أتمنى أن أصبح عصفورا أطير كما أشاء».

وهزت الأم رأسها وهى تتظاهر بالاهتمام. قالت شاردة «إن شاء الله».

لو كان أحمد وقتها أكثر قدرة على التعبير عن ذاته لقال إنه لا يريد أن يحده حدّ، ويمتلك كل المزايا بما فيها الطيران.

بعد عشرة أعوام دار النقاش بين أحمد وزملائه عن الكلية التى سوف يختارونها. قال أحمد فى حماسة: «هذه أول درجة فى سلم المجد. سوف أذهب لأمريكا بمجرد إنهاء دراستى. أريد أن أكتشف شيئا لم يكتشفه أحد من قبلى. تصبح بعده حياة الناس أسهل كما اخترع أديسون المصباح الكهربائى، واخترع جراهام بل الهاتف. انتظروا بضعة أعوام وسترون».

بعد عشرة أعوام أخرى، قال أحمد لحبيبته سلمى فى حماسة: «مستقبلنا سنصنعه بكافة التفاصيل. الغد لنا بشرط أن نكون معا. سوف نكتشف الدهشة، ونفهم لغة البحر. سنذهب إلى كل مكان فى العالم معا، وسنمارس الحب على الشواطئ المنسية التى لم يرها إنسان. وسنهب للعالم أطفالا يشبهونك، وسنعيد تكوين خارطة الحب من جديد».

وكان الهواء يبعثر شعر سلمى التى راحت ترمقه فى شغف وانبهار.

«لا بأس من التقديم فى شقق الشباب طالما مر على زواجكما عشرة أعوام دون امتلاك شقة. وقّع هذا الطلب وعدْ إلينا بعد عام».

هكذا أخبره الحاج فتحى شائب الشعر، الذى رأى رجالا مثل أحمد آلاف المرات. لكن قلبه رقّ لرؤية سلمى التى بدت مشوشة وغير فاهمة ما يحدث بشكل ما.

يا أحمد، هل من سبيل أن تؤجل الدكتوراه قليلا لتستطيع أن تجد عملا إضافيا. انظر إلى أسعار السلع، وقل لى كيف نستطيع أن نصل إلى آخر الشهر، دون أن نستدين. وألقى أحمد نظرة ضائعة على الفواتير. وتذكر شجار أمه وأبيه، وتذكر العصفور.

لو كانت سلمى حية لاطمأن أحمد. ولكن منذ أن استقل أبناؤه بالحياة بعيدا عنه، وسافروا إلى حيث توجد أرزاقهم، وهو مشغول البال. هو لا يخشى أمراض القلب، ولا يهز منه شعرة مرض السرطان. المهم ألا يحدث له شلل ويظل قادرا على المشى وحده، ولو حبوا على أربع أو متوكئا على عكاز. المهم أن يظل قادرا على دخول الحمام حتى آخر لحظة فى حياته.

وتهدج صوته وهو يبتهل بآخر أمنياته: يا رب! والنبى يا رب. عشان خاطرى يا رب. أمنيتى أظل مستطيعا للمشى.