فى المسألة المائية

جمال أبو الحسن الأحد 20-09-2015 21:35

وخلاصة هذه المسألة كالتالى:

■ حصةُ مصر من المياه ثابتة منذ عام 1959، عندما وقعت اتفاقاً ثنائياً مع السودان يضمن لها 55.5 مليار متر مكعب كل عام. عدد سكان المحروسة وقتها كان 26 مليوناً. عدد سكان مصر اليوم يناهز التسعين مليوناً. النتيجة أن نصيب الفرد من المياه يتراجع، وهو أقل من 625 مترا مكعبا سنوياً. أى أننا دخلنا بالفعل مرحلة الفقر المائى الشديد.

■ 85% من المياه التى تصل إلى أسوان تأتى من الهضبة الإثيوبية، والباقى من الهضبة الاستوائية. لا يوجد اتفاق شامل يُنظم استخدامات وحصص المياه فى حوض النيل. دول المنابع لا تعترف بالاتفاقات التى وُقعت فى زمن الاستعمار لضمان حصص دولتى المصب (مصر والسودان). إثيوبيا ــ على وجه الخصوص ــ تعتبر أن هذه الاتفاقيات مُجحفة، ولا تتيح لها تنمية مواردها.

■ مصر تقول إن هذه الاتفاقات سارية - مثلها مثل اتفاقات الحدود- وإن لها حقوقاً تاريخية فى النيل الذى يُمثل موردها الوحيد من المياه، بينما إثيوبيا لديها 12 حوضاً نهرياً تضخ نحو 122 مليار متر مكعب من المياه سنوياً. الأهم، أن حجم الأمطار الذى يسقط على حوض النيل يصل إلى 1600 متر معكب سنوياً. أى أن مصر لا تستغل فعلياً سوى 3% من مياه النهر.

■ إثيوبيا ترد بأن مصر لا تستخدم حصتها من المياه بالشكل الأمثل. 85% من حصة مصر تذهب للزراعة التى لا تُسهم سوى بـ14% من الدخل القومى الإجمالى (وإن كان يعمل بها ثلث السكان). على الجانب الآخر، فإن 85% من الإثيوبيين يعملون فى الزراعة التى تمثل 40% من الدخل القومى.

■ انخرطت دول حوض النيل فى مفاوضات بهدف الوصول إلى اتفاق شامل يُنظم استخدام مياه النهر. فى 2010 انهارت المفاوضات، وجمدت مصر عضويتها فى مبادرة حوض النيل. نقاط الخلاف الرئيسية تتعلق بمسائل الحقوق التاريخية والاتفاقات السابقة والإخطار المُسبق.

■ فى إبريل 2011 أعلنت إثيوبيا عن بناء سد النهضة بسعة تخزين تُقدر بـ74 مليار متر مكعب. اعترضت مصر. لم يحدث - إلى اليوم- اختراق جدى فى المحادثات بين البلدين برغم التوصل إلى إعلان مبادئ ثلاثى (مصر وإثيوبيا والسودان) فى مارس 2015. ليس هناك حتى الآن ما يضمن لمصر أن مشروعاً بهذا الحجم لن يؤثر على حصتها السنوية من المياه.

تلك هى الخلفية العامة للمسألة المائية. هى مسألة مُركبة لا ينبغى أن يتصدى لها بالرأى والفُتيا سوى الخبراء الراسخين فى العلم. ولأنى لستُ خبيراً، فسوف أكتفى بأن أنقل للقارئ فى السطور القادمة خُلاصة دراسة قيمة ودقيقة قرأتُها مؤخراً حول الموضوع. الدراسة كتبتها الدكتورة راوية توفيق، المدرس بكلية الاقتصاد، ونشرها المعهد الألمانى للتنمية.

جوهر الدراسة أن إثيوبيا، ومنذ وقت طويل، كانت تسعى إلى تحدى ما تعتبره «هيمنة مصرية» على حوض النيل. مصر لديها موقف قانونى يستند إلى الاتفاقيات السابقة. مع ذلك، فإن شروع إثيوبيا فعلياً فى بناء السد، وتشكيلها جبهة من دول المنابع (التى وقعت على الاتفاق الإطارى فى 2010)، حشر مصر فى الزاوية وأضعف موقفها السياسى. علينا اليوم التعامل مع هذا التحدى، ربما بأدوات تختلف عما سبق. الترسانة القانونية لم تعُد تجدى كثيراً أمام الواقع الجديد على الأرض (الصراعُ العربى الإسرائيلى هو خيرٌ دليل على ذلك).

ما زاد الطين بلة هو التحول فى موقف السودان. واضحٌ أن إثيوبيا استطاعت، منذ 2012 على الأقل، جذب السودان لصفها. الدراسة تُشير إلى اتفاقات بين الجانبين من بينها اتفاق لتشكيل قوة عسكرية برئاسة مشتركة. خطورة هذا التطور أن مصر صارت وحدها.

يبدو أن مصر قدرت أن الحل الوحيد هو التفاوض مع إثيوبيا مباشرة. إعلان المبادئ الثلاثى لا يذكر حصة مصر التاريخية، ولكنه يدعو إلى تعاون البلدان الثلاثة فى وضع قواعد ملء خزان سد النهضة، وكذلك تشغيله السنوى. الخبراء مختلفون فيما بينهم. بعضهم - مثل الوزير الأسبق نصر علام، والخبير هانى رسلان- يقول إن سعة السد التخزينية هى، فى حد ذاتها، خطرٌ على مصر. آخرون يقولون إن المشكلة فى الملء والتشغيل، خاصة فى سنوات الجفاف. يبدو أن السياسة المصرية صارت تأخذ بالرأى الثانى. مع ذلك، فإن المفاوضات مع إثيوبيا متعثرة. دراسة «راوية توفيق» تُشير إلى أن سياسة إثيوبيا المتعجلة فى بناء السد، من دون دراسات كافية، وراءها أغراض سياسية (الفخار القومى وتحدى مصر). إثيوبيا تُماطل بينما البناء يتسارع. ماذا نفعل؟

الموقف - كما يبدو- يُمثل عُقدة بلا حل على المدى القصير. لابد أن نُفكر فى المسألة المائية على المدى الطويل، لأن مأزقنا هو حصيلة تقاعس تراكم على مدى طويل وبالتالى لن يأتى العلاجُ فى أيام أو شهور. لا مجال لإعادة عقارب الساعة إلى الوراء. لندرك أولاً أن الوضع تغير ونُعد خططنا على هذا الأساس. أفضل البدائل- كما يبدو- هو ما انتهجه الرئيس السيسى من مخاطبة الإثيوبيين مُباشرة لتنسيق عملية ملء الخزان وتشغيل السد. ينبغى أن نُصر على أن يكون استخدام السد مقصوراً على توليد الكهرباء وليس الرى. تحديد الأهداف المعقولة من البداية والإصرار عليها يُعزز موقفنا أمام الإثيوبيين والعالم الخارجى. التأرجح بين أهداف مختلفة لا يخدم قضيتنا.

على أن جوهر الحل يظل فى تغيير سياسة استخدام المياه لدينا. وزير الرى الأسبق نصر علام تحدث فى كتابه «أزمة سد النهضة الإثيوبى» عن نجاح وزارة الرى فى تقليل مساحة الأرز (وهو من المحاصيل كثيفة الاستخدام للمياه) إلى 1.25 مليون فدان فى 2010، لتعود بعد الفوضى التى صاحبت انتفاضة يناير لتصبح 2.5 مليون فدان(!). مفتاح نجاتنا من أزمات المياه يكمن فى تغيير سياسات الرى والتركيب المحصولى واستخدامات المياه، وذلك بغض النظر عن إثيوبيا وسدودها وسياساتها.

gamalx@yahoo.com