بلاها جامعة عربية

عبد الناصر سلامة السبت 19-09-2015 21:07

فى الوقت الذى نحاول فيه استيعاب حرب تحرير اليمن من اليمنيين، وهل هى الطريق إلى تحرير القدس من عدمه، تخرج علينا تصريحات أكثر غرابة تزيد الموقف غموضاً، وهى التى أدلى بها وزير الخارجية السعودى، عادل الجبير، حول ضرورة إسقاط الرئيس السورى بشار الأسد، إن لم يكن سِلماً بالمفاوضات، فليكن حرباً بقوة السلاح.

تلك الممارسات فى اليمن، وهذه التصريحات فيما يتعلق بسوريا، فى الوقت الذى تتزايد فيه حدة الاضطرابات فى المنطقة، من العراق ولبنان، حتى ليبيا ومصر، لو كان مصدرها دولة غربية لأيقنا على الفور أنها تأتى ضمن مخطط لتدمير الهوية العربية، لتقسيم الدول العربية، لنهب الثروة العربية، إلى غير ذلك من نظريات المؤامرة جاهزة التعليب، إلا أن الأمر حينما يتعلق بممارسات وتصريحات إقليمية أو عربية، فإن حسابات المؤامرة تصبح أكثر وضوحاً، باعتبارها بالوكالة هذه المرة، وربما هى المرة الأولى التى تصل فيها الممارسات والتصريحات الإقليمية أو العربية إلى هذا الحد من التدخل السافر فى شؤون الآخرين.

قد يكون الهدف من إسقاط الرئيس السورى إنقاذ المسجد الأقصى، واعتبار سوريا هى الطريق إلى القدس، بعد أن بدت المسافة من صنعاء إلى المدينة المقدسة بعيدة إلى حد كبير، البعض يعتبر أن هذا التصور مردود عليه، وأن الهدف هو إبعاد إيران عن اليمن وسوريا ليس أكثر، إلا أن الرد الأكثر ملاءمة هنا هو أن موقع إيران معلوم على الخريطة لمن يريد مقارعتها، إن سِلما أو حربا، بدلا من تدمير الدول العربية إلى هذا الحد الذى لم يعد مقبولا لا إقليميا ولا دوليا، اللهم إلا إذا كانت هذه وتلك حرباً بالوكالة بالفعل، وأن ما يجرى هو تنفيذ لمخطط المؤامرات الغربى، الآن سلاح يُباع ويُشترى، وبعد ذلك إعادة إعمار، وفى النهاية أُمَّة منهكة طوال عشرات من العقود المقبلة.

كل ذلك يجرى فى وقت يشتعل فيه الموقف فى القدس المحتلة، مع ممارسات إسرائيلية كان يجب أن تكون هى الشغل الشاغل للعالم العربى، حيث القتل والتنكيل والتهويد ومصادرة الأراضى، إلى غير ذلك من أهوال يومية، ولم لا وقد أغرقتنا أزماتنا الداخلية بما هو أفظع من ذلك؟ وكيف سنطالب إسرائيل بوقف القتل، الذى هو حالة يومية فى معظم الدول العربية، وكيف سنطالبها باحترام حقوق الإنسان المنتهكة أساسا فى عالمنا العربى، وكيف سنطالبها بعدم احتلال أراضى الغير، بعد أن أصبحنا نغزو بعضنا بعضاً بحجج واهية طائفية وتوسعية؟

أعتقد أن السياسات العربية العدوانية، المستحدثة على المنطقة، إضافة إلى الأزمات الداخلية، جعلت من الاحتلال الإسرائيلى للأراضى العربية فى فلسطين وسوريا أمراً واقعاً، توارت معه بالفعل هذه القضية إلى الحد الذى جعل هناك شُحاً حتى فى بيانات الشجب والإدانة التى اعتدناها فى الماضى، أو حتى فى احتجاجات الشوارع، ولأن الأمر كذلك فإن المخطط الإسرائيلى يمضى على قدم وساق، المثير للدهشة أن هذا المخطط لم يعد يتوقف على العبث داخل الأراضى المحتلة فى فلسطين، فقد أصبح داعماً للعابثين بالوكالة فى كل مكان، فى سوريا، كما فى العراق، كما فى اليمن، كما فى لبنان، كما فى مصر، كما فى ليبيا، لم يعد داعماً للتنظيمات المتطرفة أو المسلحة فقط، أصبح داعماً للعواصم والحكومات، أصبحنا نسمع عن لقاءات غريبة، سرية وغير سرية، ولِمَ لا، ما دمنا نحقق الهدف نيابة عنهم.

الغريب فى الأمر أيضاً هو ذلك الموقف العربى العام المتخاذل تجاه هذه الأعمال العدوانية العربية تجاه دول شقيقة أصبح الدمار هو عنوانها الرئيسى، والدم هو الحالة المشتركة فى شوارعها، ومازالت هناك للأسف اجتماعات تُعقد تحت مظلة ما تسمى جامعة الدول العربية، ومازلنا نرى تقبيل خياشيم وجِباه وأكتاف، وربما ما هو أكثر من القبلات.

أتصور أن هذا التوقيت هو الأنسب والأكثر واقعية لإعلان وفاة هذه الجامعة، التى كانت تستمد شرعية وجودها فى الماضى من بيانات الشجب المتعلقة بإسرائيل، أو احتلال الأراضى العربية على أيدى الصهاينة الذين تكالبوا علينا من كل بقاع العالم، أما وقد أصبح القتل عربياً، والاحتلال عربياً، والصمت كذلك، فإننا لم ولن نرى أى ردود أفعال لأسباب نعيها جيداً، وهى أن أموال النفط بجانب أنها تلعب الآن دوراً كبيراً فى اقتصاديات عدد كبير من الدول العربية، خاصة الدول الفاعلة فى المنطقة، فإنها فى الوقت نفسه تتحمل العبء الأكبر من موازنة الجامعة، وكانت دول النفط طوال الوقت دائمة التلويح بذلك، على غرار ما تفعله الولايات المتحدة مع منظمة الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى.

الاقتراح بإغلاق جامعة الدول العربية، أو إعلان وفاتها، ليس جلداً للذات، ولا من باب الانفعال، هو فعلا إجراء سوف يعبر تعبيراً صادقاً عن مرحلة، أصبح الخزى والعار هو عنوانها اليومى، هذا الإجراء ربما يعفى جميع القادة العرب من الحرج أمام المهاجرين فى عرض البحر الذين يرددون يومياً: أين القادة العرب؟ وأمام الأسرى والجرحى من الفلسطينيين الذين مازالوا يعقدون الآمال على القادة العرب، وأمام المنكوبين فى اليمن الذين مازالوا يتصورون أن هناك قادة عرباً.

هو قرار لا يحتاج أكثر من كلمتين: المولد انفضَّ، أو انفضَّ المولد، بلاها عرب، اطلبوا العون من الفُرْس أو الأتراك، وللعلم وبحكم معرفتنا بهم وبِحُر دمائهم، لن يتوانوا عن المساعدة، لا هؤلاء ولا أولئك، ولتذهب الطائفية إلى الجحيم، ومعها العرقية أيضاً، وفى الأفق الكثير مما ينبئ عن ذلك فى المستقبل.