الطريق إلى الأقصى لا يبدأ من صنعاء

عبد الناصر سلامة الجمعة 18-09-2015 21:04

كنت أود أن يخرج علينا أحد المعمَّمين بعمائم الأزهر، أو غير الأزهر من أصحاب المذهب الوهابى، أو المذهب القرضاوى، أو حتى المذهب الطالبانى، أو القاعدة والواقفة، وداعش وفاحش، والنصرة والبصرة، والتكفير والمقدس، وغير ذلك من الأسماء، ليقنعنا أحدهم بأن الطريق إلى تحرير القدس أو المسجد الأقصى يبدأ من هنا أو من هناك، كنا طوال الوقت نعتقد أن الطريق ربما يبدأ من العراق أو سوريا، أو حتى ليبيا، وربما كان هذا هو سر الاقتتال الذي لا ينتهى هناك، لكن بدا واضحا أنه يبدأ من عدَن أو صنعاء، وذلك لأن الدماء هناك أصبحت بلا حدود، والأرواح أضحت عصية على العد.

بالتالى كان يجب أن يخرج أحدهم ليعلن على الملأ: إذا اقتتل المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في الجنة مثلا، مادام الهدف هو تحرير القدس، والبداية من صنعاء، ربما كان في صدر الإسلام القاتل والمقتول في النار، على اعتبار أن السلاح وقتذاك كان السيف، والقتلى بالآحاد أو العشرات، أما وقد أصبح القصف بالطائرات والدبابات، والقتلى بالمئات والآلاف، فربما تغيّر الوضع دون أن ندرى.

حتى الآن لم نجد بين العلماء، أو هكذا اعتدنا إطلاق هذا الاسم عليهم، من يُكَفّر المتقاتلين في سوريا على سبيل المثال، بل على العكس تماما، هم انقسموا بين مؤيد لهذه الفئة أو تلك، ومن يُكَفّر هذه الفئة أو تلك، إلا أننا لم نعثر على من يسعى إلى وقف القتال، عملاً بقاعدة (فأصلحوا بينهما)، انطلقت كل مجموعة في موقفها من الموقف السياسى للعاصمة التي تتبعها، أو تتلقى رواتبها من خزائنها.

هي طامة كبرى لم نعهدها من قبل، بما يؤشر إلى أنها قد تكون أسوأ المراحل في هذا الصدد، نحن أمام شيوخ فتنة، أكثر منهم شيوخ علم أو دين، كان من المهم أن يطلق الأزهر على سبيل المثال مبادرة في هذا الشأن من خلال مؤتمر موسع، فيكون هناك رأى واضح، كان من الممكن أن تفعلها منظمة المؤتمر الإسلامى، أو غيرهما من الاتحادات والمنظمات المماثلة.

جال في رأسى هذا الحوار مع الأنباء المتلاحقة من اليمن السعيد بأعداد القتلى والجرحى جراء القصف المتواصل على المواطنين التعساء هناك، في الوقت الذي تتزايد فيه خلال الأيام الماضية أعمال القتل والاعتداءات الإسرائيلية على الشعب الفلسطينى وعلى المسجد الأقصى تحديدا، الأنباء تتحدث عن بدء تحرير صنعاء، وفى الوقت نفسه تتحدث عن مزيد من تهويد القدس، الأنباء تتحدث عن الزج بمزيد من القوات الخليجية في اليمن، وفى نفس الوقت مزيد من القوات الإسرائيلية في القدس.

الأرقام تتحدث عن أكثر من ٢٧٠٠ قتيل و٨٦٠٠ جريح من المدنيين في العدوان الحاصل على الأشقاء في اليمن الآن، من بين القتلى ١١٨٠ امرأة وطفلاً، المعلومات تؤكد أن البنية التحتية في اليمن تحتاج أكثر من مليارى دولار لإعادة تأهيلها من جديد، آلاف المنازل تمت تسويتها بالأرض، مئات المنشآت الرسمية وغير الرسمية كذلك، العدوان ليس من دول الاستعمار السابق، ولا الحالى، العدوان عربى، والضحايا على الجانبين من العرب، هي المأساة بكل ما تحمل الكلمة من معنى.

قد يكون هناك رابط غير واضح، وهو أن صنعاء تمثل الطريق إلى فلسطين، أو أنها مناورات قبل الزحف إلى الأقصى، أو أنه تدريب على تحرير الأرض المحتلة ككل، بالتأكيد لا يمكن أن يكون المعلن هو الهدف، لا يعقل أن يكون العرب قد قرروا تحرير صنعاء والقبول باحتلال القدس، لا يمكن أن يكون العار قد وصل إلى هذا الحد، بالتأكيد هناك أمر غير مفهوم، قد تكون كل أعمال القتل التي تشهدها البلدان الإسلامية حاليا تستهدف إثارة الرهبة والهلع لدى الإسرائيليين، هي استراتيجية حربية جديدة في التعامل مع العدو. ربما!

من المهم أن تجول هذه الأوهام بخاطرنا بين الحين والآخر، هي بمثابة مهدئات، أو مسكنات، أو حتى مخدرات، وذلك لأن البديل قاسٍ جدا، وهو أن الأمة فقدت عقلها، فقدت رشدها، أو بمعنى أصح فقدت ما تبقى من عقلها ورشدها، كيف ستكون الأرض العربية محتلة من الصهاينة، وكيف يُنتهك المسجد الأقصى بصفة يومية، والعرب مشغولون بتحرير صنعاء، أو دمشق، أو بغداد، أو حتى طرابلس وبنغازى، وتحريرها مِن من؟ هذا هو السؤال، ألا توجد أي وسيلة أخرى للتفاهم بين العرب بعضهم البعض سوى لغة السلاح، وإذا كان الأمر كذلك، بمعنى أن لغة السلاح هي الأيسر، وفى متناول اليد إلى هذا الحد، فلماذا لا نحرر القدس بنفس الطريقة؟

الأهم من ذلك أننا لم نسمع أو نرَ أي رد فعل رسمى على مستوى الحدث، خلال الأيام الماضية تجاه تلك الممارسات الإسرائيلية الدموية، والتى من المنتظر أن تسفر عن توتر جديد في المنطقة، ومزيد من الانتهاكات بحق المقدسات والبشر في الأراضى المحتلة، فيما يشير إلى أن هذه القضية لم تعد ضمن الاهتمامات العربية.

لندع المشايخ أو العلماء جانبا، فربما أصابهم الخرس، لماذا لا يخرج علينا أحد ولاة أمورنا من القادة الذين يدقون طبول الحرب على إخوانهم ليقنعنا بهذه النظرية الغريبة، وهى أن الطريق إلى القدس يبدأ من عدن أو صنعاء؟ إذا كان العلماء لا يتحدثون ولا القادة أيضا، على من تُعوّل الشعوب إذن، إلى من نتحدث، وإلى من نشكو؟ بالتأكيد سوف نجد من نتوجه إليه بالشكوى، لن نيأس.

سوف نظل نردد الدعاء الذي يزعجكم جميعا:

اللهم أهلك الظالمين.

abdelnasser517@gmail.com