الموت على فراش الحب

سيلڤيا النقادى الجمعة 18-09-2015 21:03

ترى بماذا كان يهمس في أذنها الصغيرة وهى تمتطئ ذراعه أثناء سيرهما في موكب خطوبتهما وسط إعجاب ومباركة وتصفيق من الأهل والأصدقاء!!!!

ترى ماذا كانت تقول عيناه وهى تنظر لهذا الوجه البرىء الساذج بملامحه الطفولية التي تشع عفوية ونطلاقا!! يقولون عيون الحب تتحدث بالنظرات!! وشهوة الجنس تنقلها العيون!! ولغة الشفايف تنقل ألف رغبة واحتياج!!

ترى هل نقلت الصغيرة نهى التي لم يتعد عمرها التسع سنوات هذه الأحاسيس لخطيبها «وجيه» الذي يبلغ هو الآخر ستة عشر عاماً أثناء جلستهما على «كوشة» العرس في حضرة السادة الكبار والشيوخ.. الرجال والنساء الشركاء في هذا الحدث المأساوى الذي أصبح يمثل ظاهرة تتكرر في كثير من القرى المصرية ليدون رقماً في زواج الأطفال بلغت نسبته ١٥% حسبما جاء من تصريحات للدكتورة هالة يوسف وزيرة الدولة للسكان!!! ويا ترى هل الصغيرة التي «اتشعبطت» في ذراع خطيبها والتى تم تزيين وجهها بالمساحيق لطمس وبتر نقائه وبراءته كانت على إدراك ما يدور حولها وما سوف يؤول إليه أمرها؟؟... ترى هل هذا الحجاب المطرز ثقيل الوزن الذي أرادوا به ستر شعرها لم يترك في نفسها علامات استفهام لم تجد إجابة أو معنى منطقيا سوى رغبتها العفوية في خلعه حتى تنساب خصلات تاج رأسها بحرية في مداعبة مع نسيم الصيف!!!... ترى ماذا قالت لها أمها وهى تزينها أو وهى تحممها أو وهى تعدها كعروس جميل تظهر أبهى مفاتنها!!.. أي مفاتن تحدثت عنها أمها حتى يستوعبها عقل هذه الطفلة الصغيرة التي ربما أرادت أن تتخلص من هذا الدرس.. كلام الكبار.. للكبار فقط!! حتى تنطلق مع الصغار تمرح وتلعب وتحلم تحت الشجرة بغد مشرق يحقق أمانيها المتواضعة ربما يكون ذلك من خلال دمية أو «بسكليتة» أو رحلة أو حذاء أو وجبة أو فسحة!! حلم.. مجرد حلم من أحلام الأطفال.. حلم لا يفسح لألعاب الرجال بمساحة فيه!!

بهذه البساطة انتهكت براءة نهى.. ذبحت أحلامها بسكين ربما استخدم أيضاً لختانها!!.. بهذه البساطة يتعرض الآلاف من الأطفال للزواج المبكر في مصر دون جهود قاطعة وصارمة لمنعه والحد من تفشيه.

في الأسبوع الماضى ظهرت صورة نهى ووجيه على الصفحة الأولى بإحدى الصحف اليومية المرموقة كقصة خبرية.. ربما غرائبية لتسلية القارئ بغرائب وطرائف البلد.. الوطن.. والدولة!! سردت القصة تفاصيل الحدث والتعليقات المضحكة الإيجابية المؤيدة!!! من الأهل والأقارب بالإضافة للصوة البلهاء للعروسين!! ولكنها افتقرت التحليل المنطقى الموضوعى الهام لبشاعة هذه الجريمة وأثرها على المجتمع.. افتقرت الإشارة من بعيد أو قريب لخطورة الموقف واحتمالات تفاقمه مع ظروف دولة ومنطقة يتفشى فيها الجهل وتنتهك الحقوق الإنسانية والمشروعة للأطفال وخاصة الفتيات!!!.. إن تقديم الخبر بهذا الشكل هو مسؤولية.. مسؤولية إعلامية واجبها التوعية والتحذير في آن واحد بمخاطر زواج الأطفال من الناحية القانونية – ناهيك عن الصحية والنفسية!! بهدف خفض الطلب وتجفيف المنابع والتنسيق مع الجهات الأمنية والدينية للقضاء عليها.

مأساة مؤلمة تكتم فيها طبول الفرح صراخ وبكاء «وترفيص» الأطفال!!! تختلط فيها معانى القسوة والحب في وعاء يغلى بمعانى الفقر والثقافة والأمية وزيادة عدد الفتيات في الأسرة.

صرخة البنات وآلامهم هي صفعة على وجه الإعلام المسؤول المهموم بفرد مساحات لضيوف مرتزقة مكررين يخوضون في نفس المشاكل والقضايا التي طفحنا سمومها وسئمنا إعادتها على مدى سنوات من بهلوانات المذيعين والمذيعات..!!

متى سننتبه بالفعل لأوجاعنا.. لقضايانا الحقيقية؟.. متى سننصت للأجراس ومتى سنسمع الطبول ليسمعنا من يهمه الأمر!!!

selnakkady@gmail.com