أكتب لكم وأنا بحرم عربة الفول التى اعتدت التردد عليها مؤخرًا بمنطقة وسط البلد، وأنا أحب الفول جدًا كما تحبونه لأنه لذيذ وشهى وعماد البطن، ولو تقمصت دور أحد منظّرى هذه الأيام سأقول إنه نبات ديمقراطى يجمع بين طبقات الشعب، فها أنا ملتصق بجوانب عربة الفول وسيارة فاخرة وقفت خلفى فجأة فى نهر الطريق تبتسم السائقة من داخلها، فيهرع لها صاحب العربة بساندويتشاتها سابقة التحضير، وبخلاف أن الفول يعتبر مصدرًا بديلا للبروتين منذ أيام الفراعنة، «وصامد» معنا حتى الآن وأعتقد أنه سيبقى بعدنا! وهو فى مصر والسودان يعتبر الوجبة الرئيسية، لكن فى السودان أنزلوه درجة عندما أطلقوا عليه لقب «حبيب الشعب».. لكن يا هلترى ماذا تقول الأدبيات فى الفول؟ إليك بعضها (الفول عالمى من حيث أصوله وتاريخه، وهو يختزن من الأسرار أكثر مما يزخر به من البروتينات والأملاح المعدنية، وكهنة مصر- وطن الفول- كانوا يسمّون المكان الذى تقبع فيه أرواح الموتى بانتظار تناسخها من جديد «حقل الفول». وهو اعتقاد شاطرهم إياه فيما بعد أورفيوس وفيثاغورث فى اليونان القديمة، حتى إنهما حظرا على تلاميذهما أكل الفول. وُيروى أن فيثاغورث، عندما كان ملاحقا من أعدائه، فضّل أن يستسلم وأن يُقتل على أن يجتاز حقل فول فيعطّل دورة التناسخ. وكان الفول يرمز فى نظر القدماء إلى الجنين. لذا كان- قبيل طقوس الربيع- وفى احتفالات الزفاف، يقدم قربانا لقوى الغيب، وتمثل كل حبة فول الطفل الذكر الذى ُتؤمل ولادته. وليس للفول قيمة رمزية مماثلة فى الأدب العربى القديم، وفى القرن الثانى للهجرة، ذهب ابن قتيبة، مستشهدًا بأحد أطباء العصور القديمة، إلى أن أكل الفول يضعف النظر ويتسبب بأحلامٍ شديدة الغموض والاضطراب ليس بمقدور أحد تفسيرها. وقال عنه الأندلسى ابن عبد ربه فى كتابه «العقد الفريد» إنه من الأطعمة الغليظة، وفى القرن السادس الهجرى قال الفيلسوف ابن رشد إن من خواص الفول «الإضرار بالفكر وطمس الفهم» وإذا رجعنا الآن إلى ما وصلنا من كتب الطبيخ، تبين لنا أن الفول لم يلهم الطباخين فى عصر الحضارة العربية الإسلامية الذهبى)..هذه الفقرة من كتاب «مطبخ زرياب» للكاتب فروق مردم بك والناشر دار كلمة.. وقد أفادنى بمعرفة المتسبب فى اتهام الفول بأنه من حبوب الغباء، وهى تهمة باطلة لأنه من حبوب الحياة لكنهم لا يعرفونه مثلنا.. منك لله أيها الفيلسوف العظيم «ابن رشد» اتهمت الفول بتهمة فظيعة هو منها براء!.. وكلمة فى أذن المسؤولين، نحن نحب الفول واللحمة إلى حد سواء.. وما حدش يلعب فى المنطقة دى.. وقد حذركم الشاعر أحمد فؤاد نجم فيما مضى وسأذكركم ببعض أبياته «عن موضوع الفول واللحمة صرح مصدر قال مسؤول.. إن الطب اتقدم جدًا والدكتور محسن بيقول.. إن اللحمة دى سم أكيد بتزود أوجاع المعدة وتعوّد على طولة الإيد.. وتنيم بنى آدم وتفرقع منه المواعيد.. واللى بياكلوا اللحمة عموما حيخشوا جهنم تأبيد.. يا دكتور محسن يا مزلقط يا مصدر غير مسؤول.. حيث انتوا عقول العالم والعالم محتاج لعقول.. ما رأى جنابك وجنابهم فى واحد مجنون بيقول.. إحنا سيبونا نموت باللحمة وانتوا تعيشوا وتاكلوا الفول.. إيه رأيك يا كابتن محسن مش بالذمة كلام معقول».