سكرتارية السيد الرئيس

سمير عمر الخميس 17-09-2015 21:07

فى أحد مؤتمرات الحزب الوطنى المنحل وبعد انتهاء إحدى الجلسات العامة، سأل الإعلامى ومدير مكتب قناة الجزيرة آنذاك، حسين عبدالغنى، وزير الزراعة الأسبق، الأمين العام الأسبق للحزب الوطنى المنحل، يوسف والى، عن التغييرات التى حدثت داخل الحزب والتى أطاحت بعدد من القيادات كان هو من بينهم، فردّ الرجل بهدوء الخبير بقواعد اللعبة: نحن جميعا سكرتارية للسيد الرئيس!

كانت الإجابة صادمة فى مظهرها فى علاقة الرئيس برجاله المقربين، كاشفة فى جوهرها لكيف كانت تجرى الأمور داخل مطبخ الحكم آنذاك.

تذكرت هذه الواقعة- التى كنت شاهداً عليها، وأثارت ساعتها ردات فعل واسعة- فى الأسبوع الماضى لسببين:

الأول: قرار قبول استقالة رئيس الوزراء إبراهيم محلب، وتكليف المهندس شريف إسماعيل بتشكيل الوزارة الجديدة.

والثانى: ما أعلنه الرئيس السيسى من أن الدستور الذى وافق عليه المصريون بنسبة تفوق 98 بالمائة ممن شاركوا فى التصويت «قد صِيغ بحسن نية والدول لا تُبنى بالنوايا الحسنة».

فى السبب الأول: بدا العنوان العريض لطريقة إبعاد المهندس محلب وتكليف المهندس شريف هو أن الوزارة والوزراء ليسوا سوى سكرتارية للسيد الرئيس، أما وإنهم كذلك فيحق للرئيس أن يعفيهم من مناصبهم، ويعدل فى تشكيلتهم، ويغير رئيسهم إذا ما خالفوا توجيهاته.. قد يقول قائل: أوليس أداء الحكومة ووزرائها كان محل انتقادات واسعة؟ أوليست الحالة كانت تكشف أن هناك اختلاف سرعات واضحا بين أداء الرئيس وأداء الحكومة، أو على الأقل بعض الوزارات المهمة؟ أوليست تقارير الجهات الرقابية وتقييم الأداء قد كشفت عن فساد أو فشل بعض الوزراء؟ والحق أن هذا كله صحيح، ولكن القضية أكثر تعقيداً من ذلك، فما تحتاجه مصر وما يحتاجه الرئيس لقيادة البلاد فى هذه المرحلة الصعبة هو: حكومة تحمل رؤية متكاملة، ووزراء لديهم من الكفاءة والشجاعة ما يجعلهم قادرين على طرح رؤاهم والدفاع عنها حتى لو خالفت رأى الرئيس وتصوراته، طالما كان الهدف هو النهوض بالبلاد وتجاوز مرحلة الأزمة التى تعيشها، والرئيس نفسه كثيرا ما طالب بذلك.

المشكلة إذن هى الهوة الشاسعة بين منطق اختيار الوزراء على قاعدة سكرتارية الرئيس، أو قاعدة الشراكة فى المسؤولية، فوفقاً للأولى سيكون مصير الوزارة الجديدة هو نفس مصير سابقتها، ووفقاً للثانية بالقطع سيكون الأداء أفضل، وهذا يقودنا للسبب الثانى.

فحين ألقى الرئيس بحجر «إن الدستور صِيغ بحسن نية، والدول لا تُبنى بالنوايا الحسنة» فى مياه السياسة الراكدة مع سبق الإصرار والترصد، اعتبر البعض أن كلام الرئيس هو طلقة البدء فى حملة تهدف لتعديل الدستور، والتعديل المقصود هو تعديل المواد الخاصة بعلاقة الرئيس بالبرلمان وبالتبعية بالحكومة المنبثقة عنه، ولا مانع من أن يمتد التعديل- طالما فتحنا باب تعديل الدستور- ليصل إلى مُدد حكم الرئيس، وتسارعت وتيرة الهجوم على الدستور من «حاملى صكوك الوطنية» لكشف ما وصفوه بالعوار فى صياغة الدستور، وزايد البعض على البعض باعتبار أن الدستور كارثى!!! هكذا وفجأة يرى هؤلاء الذين دعوا الناس للتصويت بالموافقة على الدستور ووصفوه بأنه الأفضل فى تاريخ مصر، بل والأفضل فى العالم- وفق تعبير أحدهم- أن الدستور كارثى.

وأنا شخصياً أنحاز للنظام الرئاسى وأراه الأنسب لمصر، ولكن أن يتحول الأمر إلى مزايدات رخيصة على هذا النحو فهذا ما لا يقبله عاقل، ولا يقره أى وطنى يريد الخير لبلاده.

وإذا كان هناك تخوف، أولاً، من تشكيلة برلمانية غير منضبطة تفرز حكومة ليست على قدر المسؤولية، وثانياً من علاقة مرتبكة بين السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية تعوق تقدم البلاد وانتصارها فى حربها على الإرهاب والفساد، فالحل لا يكون بتعديل الدستور الذى لم يجف المداد الذى كُتب به بعد، ولكن يكون بإفساح المجال أمام عمل سياسى ديمقراطى مدنى يسهم فى تطور البلاد وإنضاج التجربة الديمقراطية على النحو الذى يحول العمل العام من غنيمة يتصارع أصحاب المصالح من أجل الفوز بها، إلى فرصة أفضل لخدمة الوطن تستحق أن يتنافس المخلصون من أجل الحصول عليها.

يا سادة، ارحمونا.. فمصر ورئيسها لا يحتاجان لسكرتارية تنفذ التوجيهات، بل يحتاجان لفريق عمل متكامل يقدر المسؤولية ويدرك خطورة الأوضاع التى تعيشها البلاد، وهذا لا يكون إلا بنسف قاعدة سكرتارية السيد الرئيس.

مصر ورئيسها لا يحتاجان سلطة تشريعية ورقابية مستأنسة إلى حد التواطؤ، ولا شرسة إلى حد الإرباك ووقف المراكب السايرة، بل يحتاجان لسلطة تشريعية ورقابية تفرزها حياة ديمقراطية سليمة وتنافس حر وشريف بين أحزاب وقوى سياسية حقيقية.

حفظ الله مصر وشعبها وجيشها.