الكل غير راضٍ عن أوضاع الإعلام المصرى فى هذه المرحلة، النظام، رجال الأعمال، الشعب والإعلاميون أنفسهم، ولنبدأ بالنظام، يشكو من أن الإعلام لا يقدم إلا نصف الكوب الفارغ، يبحث عن سلبيات الحكومة ويبرزها، ويتغاضى عن الإيجابيات والجهد المبذول والتضحيات المقدمة، رئيس الجمهورية كثيراً ما يعاتب الإعلام، مؤخراً قالها بالبلدى «مافيش فايدة فيكو».
رجال الأعمال، بعض مالكى القنوات والصحف الخاصة يرونها مشروعات فاشلة، الخسائر تتراكم، إعادة الهيكلة والاستغناء عن الصحفيين والإعلاميين وأحيانا الإغلاق حلول تُطرح لتقليل الخسائر، مع الأخذ فى الاعتبار أن رجال الأعمال لا يحسبون المكاسب والخسائر المادية فقط، هناك مكاسب أخرى تُدرس: التواجد على الساحة، الحصانة، الصوت المسموع والتأثير على صانع القرار، فى المقابل نجد تجربة صحف الدولة ومبنى ماسبيرو مازالت مستمرة رغم الخسائر الفادحة (خسائر ماسبيرو فقط تقدر بأكثر من 3.6 بليون جنيه) الحكومة لا تسجن ولا تقيل أحدا لسوء إدارته التى تؤدى لإهدار الملايين من الجنيهات، تعتبر ذلك قضاء وقدر!!!
أرقام توزيع الصحف تتراجع لتؤكد انصراف القارئ عن شرائها، فهى لا تقدم له إلا ما يشاهده مجانا فى التليفزيون ويتابعه على النت، كما أن هناك تراجعا فى مشاهدة برامج التوك شو بصفة خاصة، الإعلام من وجهة نظر قطاع كبير من الشعب، الذى لديه قدر ولو بسيط من التعليم، يطبل للنظام ويساهم فى تغيب الوعى ويركز على توافه الأمور، منكفئ على نفسه، لا يحيطنا علما بما يحدث حولنا، هابط المستوى وضحل الثقافة.
وأخيرا نأتى على ذكر أصحاب المهنة، الإعلاميون والصحفيون غير راضين عن أداء الإعلام حاليا خاصة المرئى، وعلى حسب تعبير البعض لا يعبر عن المجتمع ولا يشرفهم.
نحن إذن، أمام حالة من عدم الرضا المجتمعى عن الخدمة الإعلامية المقدمة، والحل: لا أعتقد أننا فى حاجة لمزيد من القوانين والتشريعات، فلدينا فائض منها بالإضافة إلى مجلس أعلى للإعلام، ولكن الحل فى وضع خطة ووجود مدربين، تماما مثل لاعب الكرة، معرفته بقواعد اللعبة لا تفيده فى الملعب ولا ترفع من مهارته، الذى يصنع ذلك خطة تدريب يضعها مدرب كفء يتابع ويقيم ويعدل فى خطته لو احتاج الأمر لذلك.
مصر الجديدة، تحتاج لخطة ثقافية وإعلامية جديدة تتواكب مع المرحلة الثورية وإرادة التغيير التى تولدت خلال ثورتين شعبيتين عظيمتين، لا تصطدم بالمشروع السياسى للنظام، الذى لم يعلن عنه حتى الآن!! بل تتناغم وتنسجم معه، ومن هنا فلابد أن يكون هذا المشروع السياسى حداثيا تنويريا يحترم ما استقر عليه العالم المتحضر من قيم.
الإعلام أصبح صناعة ضخمة يخطب ودها العظماء والدهماء، وبدون معايير وقيم وثقافة تتحول لوحش جامح، يلتهم الوعى ويكسر الهمة ويزيف الواقع وهو ما تنبأ به المفكر الفرنسى جى ديبور فى ستينيات القرن الماضى فى كتابه المهم «مجتمع الاستعراض»، والذى تحدث فيه عن تعاظم دور الميديا التى ستصبح وسائطها وأهمها الصورة بديلاً عن الواقع، ولكن بعد أن يتم تزييفه وتقديمه بمضمون موجه، نعيش عصر الصورة التى يزيد تأثيرها على آلاف الكلمات، ولعل صورة الطفل السورى الغريق خير نموذج لذلك.
وفى مجتمعنا الذى تصل نسبة الأمية فيه ما بين 25- 40%، طبقا لإحصائيات مختلفة المصادر، يصبح دور الإعلام غاية فى الأهمية، أعتقد أن عدم وضوح دور وزارة الإعلام كان وراء إلغائها فى حكومة محلب الثانية بعد تكليف الرئيس السيسى له، وترديد مقولة: لا توجد وزارة إعلام فى الدول المتقدمة، وهل نحن دولة متقدمة؟ نحن دولة تتحسس طريقها، لم تحسم أمرها حول الأسئلة الأولية عن الهوية بعد كل تلك السنوات، فليس عيبا أن نعرف موقعنا الحقيقى والواقعى من العالم دون تعالٍ أو تدنٍ، دون تفاخر أو تحقير، الثقافة والإعلام من الوزارات التى يجب أن يهتم بها المهندس شريف إسماعيل المكلف بتشكيل الوزارة.. لا يمكن إحداث نقلة حضارية وطفرة اقتصادية ونحن مازلنا نستمع لخبراء المؤامرة والمجلس الأعلى للعالم.