مزيد من الغوص في المستنقع اليمني

إبراهيم الجارحي الإثنين 14-09-2015 15:17

لم يكن الكثيرون يعرفون الكثير عن اليمن قبل أو بعد انفجار الأزمة الداخلية هناك، وتدخل القوات الخليجية بقيادة السعودية لاستعادة النظام وحفظ المصلاح، لكن شيئا واحدا كان الجميع يعرفونه، وكان الجميع على اتفاق ضمني بأنه الحقيقة المؤكدة، وهو أن أي تدخل في اليمن تحت أي ظرف ولصالح أي طرف في أي قضية وفي أي وقت في التاريخ المعاصر يساوي بالتمام السقوط في مستنقع موحل ليس فيه اتجاه للحركة إلا إلى الأسفل.

ولم يكن سقوط خسائر بشرية موجعة في صفوف قوات التحالف مفاجأة غير متوقعة، بل لم يكن أكثر من علامة على الطريق ستتكرر كثيرا ما دام الطريق مستمرا.

وجاءت الاستجابة الخليجية على مقتل ما يقرب من ستين جنديا من جنود القوة المشتركة مؤكدة على أن التوغل في المستنقع اليمني سيتزايد بعد أن قررت السعودية إرسال المزيد من قوات النخبة لتنضم إلى قوة التحالف البرية التي تزيد على ثلاثة آلاف جندي، بينما أرسلت قطر ألف جندي بعد أن كانت مشاركتها في التحالف قاصرة على القوات الجوية، بينما أرسلت مصر ثمانمئة جندي في خطوة أيقظت في الأذهان المغامرة العسكرية المصرية في اليمن في الستينيات، والتي انتهت نهاية كارثية.

وفي خطوة لا يخلو ظاهرها وباطنها من دوافع الانتقام، كثفت قوات التحالف ضرباتها الجوية بشكل غير مسبوق على صنعاء بالإضافة إلى زيادة حجم القوة البرية، ومع تعالي نبرة الانتقام في الإعلام العام والشعبي لدول التحالف والدول المتعاطفة يتساءل الناس عن دوافع الحملة العسكرية في اليمن، وعن ما إذا كانت هذه الحملة قد انجرفت وراء تصفية حسابات تزيد كل يوم ولا تنقص.

ولا يشير الموقف العسكري على الأرض إلى أن الحملة في طريقها إلى التراجع، خاصة وأن قوات التحالف منذ لجوئها إلى إنزال قوات برية في الميدان في أغسطس قد سيطرت على عدن، وتتقدم ببطء نحو تعز، لكنها لا تحقق تقدما يذكر في مأرب التي تحكم الطريق إلى صنعاء، التي تعد السيطرة عليها هدفا رئيسيا لهذه الحملة ولأهدافها السياسية المعلنة.

ورغم أن الزيادة في القوات البرية ستتركز في الهجوم على مأرب، ما زالت المواقع الاستراتيجية التي يسيطر عليها الحوثيون في معاقلهم في الجبال تنذر بأن المعركة على صنعاء لن تكون سهلة مطلقا.

كما يؤدي سقوط المزيد من الضحايا من المدنيين في المدن اليمنية بالضرورة إلى تآكل أي تأييد شعبي لقوات التحالف على الأرض، وهو عنصر لا غنى عنه مع تشابك الوضع السياسي اليمني وتعقيده، إذ لا يمكن كسب معركة في اليمن دون ضمان تحالفات محلية قوية لا أعتقد أنها ستظل على قوتها مع استمرار سقوط المدنيين.

ومع الوضع في الاعتبار أن محاولات التوصل إلى حل سلمي للأزمة اليمينة عبر المفاوضات التي تستضيفها عمان لا تحقق تقدما، حتى قبل عملية مأرب، ومع عدم إغفال تراجع رضاء واشنطن عن الطريقة التي يدير بها حلفاؤها الخليجيون الحرب في اليمن ذي الأهمية الاستراتيجية العالمية في ظل تصاعد في التوتر الإقليمي الذي لا يستبعد الأزمات الأخرى في المنطقة، مثل الأزمة في سوريا والعراق التي يحضر فيها الطرف الإيراني بقوة، تكتمل بشكل أوضح صورة الغوص في المستنقع التي كان الجميع يتوقعونها منذ طرحت فكرة الحرب في اليمن.

وعلينا في هذا السياق أن نطرح تساؤلاتنا عن الدور المصري في هذا التحالف، وعن إذا ما كان وجود قوة مصرية برية على الأرض في اليمن يحقق أهدافا استراتيجية أعمق من مجرد مشاركة حلفائنا في بلاد النفط حملتهم الانتقامية على طريقة أحلاف الجاهلية، وأعمق من رغبة العسكرية المصرية في محو ذكرى هزيمتها المريرة في الستينيات بانتصار ما مرتبط باسم اليمن.