الفساد هو أكبر خطر يهدد الدولة المصرية ويعوق التنمية فيها، خاصة بعد أن استشرى وتجذر وتسلط على الصغير والكبير وتحول من مجرد ظاهرة عارضة إلى آلية رئيسية للنظام السياسى والاقتصادى والاجتماعى حتى إن مؤشر الفساد الذى تصدره «منظمة الشفافية الدولية» جعل مصر من حيث الترتيب بين الدول الأكثر فسادا فى المركز 70 فى عام 2005 وفى المركز 105 عام 2007 وفى المركز 115 عام 2010 وفى المركز 118 عام 2011 وأفاد تقرير صدر عن مركز الأرض لحقوق الإنسان مؤخرا أن هناك 39 مليار جنيه خسرتها خزينة الدولة بسبب الفسادين المالى والإدارى وكذلك أكد خبراء اقتصاديون أن حجم الأموال المهربة فى عصر مبارك تجاوز 847 مليار جنيه، ناهيك عن الخسائر التى لحقت بقطاعات: الصحة والتعليم والإسكان والمواصلات والبترول والتموين إلخ إلخ، الأمر الذى يعنى أن الفساد يتنامى ويترعرع وينتشر، ولم يعد للركب – كما سبق أن أوضح «زكريا عزمى» أحد قيادات الحزب الوطنى المنحل – وإنما تجاوز الركب إلى الأمعاء فالصدور فالأفواه فالأنوف فالعقول.
منذ قيام ثورة يوليو عام 1952 إلى يومنا هذا وكل رؤساء مصر يتحدثون عن ضرورة محاربة الفساد والقضاء عليه وكل الحكومات تؤكد أنها ستقف له بالمرصاد ومع ذلك ذهب الرؤساء وبقى الفساد وتعاقبت الحكومات وبقى الفساد وسجن بعض المتورطين فى قضايا فساد وبقى الفساد. ففى أيام عبد الناصر– رغم حرص الرجل على العدالة الاجتماعية – إلا أنه أطلق العنان لتمكين أهل الثقة من أهل الخبرة وتولية بعض العسكريين مناصب مدنية وتشكيل لجان لحماية مجوهرات أسرة محمد على وتأميم ممتلكات البشوات وتصفية الإقطاع، ليكون حصاد تلك الفترة فشلا فى الممارسات ونهبا للممتلكات المادية والعينية وانحدار الأخلاق والقيم وانهيارا لقيمة الجنيه المصرى وبداية سقوط مصر فى الديون بعد أن كانت دائنة لبريطانيا قبل عام 1952، وفى أيام السادات وبعد إعلانه عن الانفتاح الاقتصادى عام 1975، يستفحل الفساد وتعم الرشوة والمحسوبية والواسطة وتتمكن طبقة الأثرياء الجدد من أصحاب القرار وما ترتب عليه من زواج آثم بين المال والسلطة، بين أصحاب المصالح وأصحاب النفوذ، أما فى عصر مبارك – وبرغم إعلانه أول الأمر عن مبدأ «طهارة اليد» فإن مصر لم تعرف فسادا كذلك الذى عرفته فى عصر هذا الرجل من حيث «استغلال السلطة فى الكسب غير المشروع والحصول على العمولات وخصخصة الشركات وبيعها بالبخس للأجانب وتزوير الانتخابات وترسيخ البلطجة والانتهازية»، وفى أيام المجلس العسكرى والرئيس مرسى والرئيس السيسى يبقى الفساد على حاله كما لم يجاز فاسد من فاسدى نظام مبارك بيوم واحد سجنا.
أما بالنسبة للمحكومين فقد عرفوا طريقهم للفساد لعدة أسباب منها:
أولا: تعرض منظومة القيم لهزة عنيفة نتيجة التحولات الاجتماعية والانتقال من النظام الاشتراكى إلى النظام الرأسمالى مما أدى لزعزعة سلم المبادئ التى تحكم المجتمع وحدوث صراع بين ما كان يجب وما يفرضه الواقع الجديد.
ثانيا: عدم تحديد المهام والواجبات بدقة مما أعطى الفرصة لكثيرين للتهرب من المسؤولية وإلقائها على الآخرين.
ثالثا: عموم البيرقراطية وتعقد الإجراءات وغياب التنظيم وضعف الخبرة وغيرها من الأمور التى دفعت الناس دفعا للاتكاء على الرشوة والفساد والمحسوبية كى يتمكنوا من إنجاز مهامهم وقضاء حوائجهم.
رابعا: ضعف الرقابة والانتقائية فى تنفيذ القانون بحيث يكون سيفا مصلتا على رقاب الفقراء ولأتفه الأسباب ويغض الطرف عنه عندما تتعلق الجرائم والمخالفات بأصحاب النفوذ.
خامسا: غياب الديمقراطية بمعناها الحقيقى والتوسع فى الاقتراض المصرفى دون ضوابط.
لكل ما سبق سندرك جميعا أننا فى معركة ضد أخطر عدو يهدد حياتنا ومصيرنا.. إنه الفساد الذى فتح عيون المستعمرين الجدد على ما ليس من حقهم وأعمانا عن حقنا، إنه الفساد الطاغى الذى تعودناه واعتمدناه متحدثا رسميا باسمنا فى صورة «بقشيش، وهبة، عطية، رشوة» حتى قلبت كل الأوضاع وتقهقرت الطاقات الحقيقية لصالح مجموعة من محدودى الخبرة وقليلى الثقافة والحياء.