تشريح أوباما قبل رحيله (2-2)

رفعت السعيد الجمعة 11-09-2015 21:36

وفى كل محاولة لتقييم سياسات أوباما إزاء الشرق الأوسط أو العالم الاسلامى يعود المحللون إلى خطاب أوباما فى جامعة القاهرة والقدرة السحرية على إيهام الجميع بالسعى الجدى لحل المشكلات ومنها القضية الفلسطينية ليكتشفوا أن الكثيرين ممن بهرهم خطاب أوباما قد فقدوا الثقة فيه وفى أمريكا. ويرى الكثيرون أن أوباما يتمسك بنسق ثابت فى سياسته الخارجية يستند إلى انكماش الدور الأمريكى الخارجى خاصة إذا ما تطلب عملا عسكريا أو إنفاقا ماليا كبيراً وعلى محاولة احتواء الخصوم عن طريق تقديم تنازلات لهم (إيران كنموذج).

وفيما يتعلق بالقضية الفلسطينية بنى أوباما خطته على إحداث اختراق حقيقى لتسوية هذا الصراع خاصة بعد أن أعلن بوش الابن فى أواخر ولايته فشل إدارته فى تحقيق أى اتفاق بين الجانبين. وإذا كان خطاب أوباما فى جامعة القاهرة (4-6- 2009) قد منح الكثيرين الأمل خاصة مع تأكيده على حق الفلسطينيين بالاستقلال، وبضرورة وقف الاستيطان وإعلان تجميده والتوقف عن هدم منازل الفلسطينيين والتضييق عليهم. كما أكد على قناعته بأهمية التوصل إلى حل سياسى لأزمة الملف النووى الايرانى عبر المفاوضات. وهنا نتوقف لنكتشف الفارق فى الالتزامات الأمريكية فمع إيران صار الأمر ممكنا أما مع إسرائيل فإن الأمر أصبح مستحيلاً. لكن أحدها منح الآخر مفتاحاً للحل.

فالاتفاق مع إيران يتطلب تهدئة مخاوف إسرائيل والتأكيد على التزامات أمريكا الأبدية بأمن إسرائيل وضمان وجودها كقاعدة أساسية للتأثير الأمريكى فى المنطقة. وإذا كانت أمريكا فى ظل حكم الديمقراطيين قد أسهمت كثيرا فى تسويات أو خطوات جادة أو وهمية متعلقة بهذه القضية بدءاً من اتفاقيات كامب ديفيد ثم أوسلو ثم اتفاق وادى عربة فإن الكثير من المخدوعين زادوا من جرعة يأسهم من إمكانية استخدام الضغط الأمريكى على إسرائيل. وبعد عشرة أيام فقط من خطاب جامعة القاهرة وتحديدا فى 14-6-2009 رد نتنياهو فى خطاب ألقاه فى جامعة بارايلان معلنا فى انفعال مفتعل «أن البناء الاستيطانى فى القدس هو تماماً كالبناء فى تل أبيب شأن إسرائيلى خالص». وقدم رؤية أن القضية الفلسطينية هى الأسوأ فى تاريخ الصراع مع إسرائيل، كما هاجم وبشدة محاولات الحل السياسى للملف النووى الإيرانى مؤكداً أن العلاج الأمثل هو فرض العقوبات وصولا للحسم العسكرى.

فهل كان أوباما ماكرا إلى هذا الحد بحيث يمرر ملف إيران على إسرائيل مقابل إطلاق يدها فى الملف الفلسطينى؟

ونأتى بعد ذلك إلى كتاب «هل انتهى القرن الأمريكى؟» لمؤلفه جوزيف ناى.

[ is the American Century over? – by Joseph Nye. 2015]

وفيه يتحدث عن التراجع الأمريكى أمام القوة الصينية الصاعدة، مشيراً إلى كتابات الاقتصادى الحائز على جائزة نوبل جوزيف ستيفليت الذى يقول فيها إن القوة الصينية بسبيلها للتفوق على أمريكا وأن عام 2014 هو آخر عام يمكن القول فيه إن أمريكا هى أكبر قوة اقتصادية، خاصة أن الصين تقدم نموذجاً فريداً يجمع مابين الشمولية والحداثة وأنها بادرت بالإسهام فى تأسيس البنك الأسيوى للاستثمار بهدف تمويل مشاريع بنى تحتية هائلة تحت قيادتها يراد منها أن تكون مثل مشروع مارشال الذى قادته أمريكا لإنهاض أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، وقد انضمت إلى البنك الأسيوى دول عديدة من شرق ووسط وجنوب آسيا وكذلك بعض دول أوروبية. وإن كان كثيرون آخرون يرون أن القرن لم يزل أمريكيا ويتحدثون عن قوة الدولار كأداة تعامل دولية وأن الإنفاق العسكرى الأمريكى (581 مليار دولار) لم يزل يشكل أربعة أمثاله فى الصين (4ر129 مليار دولار) وعوامل أخرى عدة لكن الخمود الخارجى الذى شهدته أمريكا أوباما لم يغلق بعد المجال أمام استمرار الدور الأمريكى ولأمد طويل وإن كان يفتح الباب أيضاً أمام عالم متعدد الأقطاب.

ومنذ عام 2007 حاول إيريك هوبزباوم فى كتابه «العولمة والديمقراطية والإرهاب» التأكيد على أن «عالم اليوم أصبح مليئاً بتعقيدات متداخلة بحيث لم يعد بإمكان أى دولة فرض سيطرتها الأحادية على العالم» ويقول أيضا «إن أغلب المواطنين الأمريكيين لا يهتمون بالعالم الخارجى ولا بالدور الأمريكى فى السيطرة عليه، فهم منكفئون على أمورهم الداخلية» وهو يؤكد «إن سياسة بوش الابن قد خلت من العقلانية ولم تخدم مصالح أمريكا ولا مصالح العالم» ووصف ما حدث فى العراق بأنه عبث وطيش.

.. ولكن ومع التداعيات الجديدة لسياسة أوباما سواء أكانت ماكرة أو بلهاء فإنه قد آن للأمريكيين أن يشعروا بالرعب من إمكانية تسلل داعش إلى القلب الأمريكى. وبهذا يفتح الباب من جديد لتساؤل حاسم: هل سيعود الجمهوريون والمحافظون الجدد لحكم أمريكا؟ وماذا سيفعلون؟