روسيا على قائمة السياسة العربية

اخبار الخميس 10-09-2015 21:38

وفاء صندى ـ تكتب:

التحركات الدبلوماسية للدول العربية الكبرى (مصر، المغرب والسعودية) تتجه نحو التقارب مع روسيا فى إطار علاقات ثنائية. فقبل الزيارة الأخيرة للرئيس عبدالفتاح السيسى لموسكو، والتى صادفت وجود العاهل الأردنى الملك عبدالله الثانى وولى عهد أبوظبى، الشيخ محمد بن زايد، قام الأمير محمد بن سلمان، ولى ولى العهد السعودى، بزيارة سابقة إلى روسيا، فى حين أنه من المتوقع أن يقوم الملك سلمان بن عبدالعزيز بزيارة رسمية لها، بالإضافة إلى زيارة مرتقبة للعاهل المغربى الملك محمد السادس لموسكو.

روسيا التى لم تعد سياستها الخارجية بعد سقوط الاتحاد السوفيتى قائمة على محدد أيديولوجى وإنما خاضعة لنهج براجماتى يقدم المصالح الاستراتيجية على أى اعتبارات أخرى، وروسيا التى اتجهت شرقا بعد رفض محاولاتها الالتحاق بالكتلة الأوروبية الغربية، حيث لا تسعى إلى تكتل أو حلف جيواستراتيجى مناوئ للمنظومة الأورو- أطلنطية، لكنها تحاول من خلال الانضمام إلى تكتلات مثل منظمة معاهدة الأمن المشترك أو مجموعة «البريكس» تحجيم إمكانيات المد الغربى على الأقل قرب حدودها الإمبراطورية التاريخية، باتت قبلة للسياسة العربية، وربما ستتحول إلى شريك استراتيجى تحاول الدول العربية من خلاله خلق توازنات فى علاقاتها الخارجية وتعزيز قدراتها الذاتية على المناورة فى الساحة الخارجية، وحماية مصالحها وقضاياها الوطنية وأمنها الاستراتيجى، وتنويع مصادر القوة العسكرية والتقنية التى يجب أن تمتلكها.

فالتقارب المصرى- الروسى بدأ مع اشتداد التوتر بين مصر والولايات المتحدة فى الأشهر التالية لعزل مرسى بعد الانتقاد العلنى الذى وجهته إدارة أوباما على إسقاط نظام الإخوان المسلمين، وقرار أمريكا وقتها تعليق جزء من المساعدات العسكرية إلى مصر فى الوقت الذى تحارب فيه مصر الإرهاب وتحاول إعادة القانون والنظام، خاصة فى سيناء. لتشهد بعد ذلك العلاقات المصرية- الروسية تقاربا كبيرا يتجه نحو تعزيز العلاقات الاستراتيجية بين البلدين فى المجالات المختلفة، ويمكن أن يفرز صفقة أسلحة كبيرة قيل إنها ستشمل تزويد مصر بأنظمة صاروخية خاصة بالدفاع الجوى ومروحيات هجومية، ما يعنى، من ناحية، سعى مصر إلى تغيير ميزان علاقاتها مع القوى العظمى، وإيقاف اعتمادها الحصرى على توريد السلاح من أمريكا. ومن ناحية أخرى، إتمام هذه الصفقة يعنى عودة روسيا إلى السوق المصرية، ومنها إلى السوق العربية التى تسعى موسكو إلى مد وتجديد نفوذها فيها.

أما السعودية التى أخذت فى عهد ملكها الجديد توجها اتسم بالحسم والإصرار وتخلى دبلوماسيتها عن الهدوء الذى طبعها لعقود طويلة، وإن كان هذا التوجه مجرد ردة فعل عابرة تجاه الأحداث التى تعيشها المنطقة، خاصة اليمن، ولن يرتقى، فى أى حال، إلى طابع استراتيجى، فمن المتوقع أن تعود إلى نهجها التقليدى المنفتح على الأطراف المستعدة للتعاون معها والحريصة على الاستقرار والمحافظة على مصالح الرياض فى المنطقة. والأكثر استعدادا للتعاون معها الآن هى روسيا بعد الموقف الأمريكى غير الواضح وغير المقنع إزاء ملفات الشرق الأوسط، حيث تبنت واشنطن منذ الولاية الأولى للرئيس باراك أوباما مفهوم «الأمن الأمريكى الاستراتيجى الجديد» الذى يرتكز على إيجاد حلول سلمية بأقل كلفة ممكنة للنزاعات فى المنطقة، بالإضافة إلى تزايد النفوذ الإيرانى، حيث لم يعد سرا التوجه الأمريكى نحو تمكين إيران إقليميا، على نحو ما أكده الرئيس أوباما بالقول: «نتطلع لإيران كقوة إقليمية فاعلة»، وهو ما يخلق قلقا بالنسبة للمصالح والأمن السعودى وتوجه المملكة نحو روسيا.

وفى المغرب، تبقى قضية الصحراء المغربية والحفاظ على توازن المملكة فى علاقاتها الدولية بما يخدم هذه القضية هو المحرك الأساسى لكل تحركات الدبلوماسية المغربية، وقد كانت روسيا البلد الوحيد من بين البلدان دائمة العضوية فى مجلس الأمن الذى هدد سنة 2013 باستعمال حق الفيتو ضد أى قرار قد يغير من مهام بعثة المينورسو، ويوسع صلاحياتها لمراقبة حقوق الإنسان بالصحراء. وسبق لروسيا أن أيدت المبادرة المغربية لإقرار حل دائم وعادل مبنى على مقترح الحكم الذاتى للأقاليم الصحراوية، كما أن روسيا لم ترضخ أبدا لضغوط خصوم المغرب بالاعتراف بالبوليساريو. ومواقف موسكو هذه تعكس رغبتها فى توطيد علاقات الصداقة والتعاون بينها وبين المغرب لما يميزه من موقع استراتيجى فى منطقة شمال أفريقيا وحوض البحر الأبيض المتوسط، وما يعكسه هذا التعاون من تواجد روسى فى المنطقة، بينما يبقى احتياج المغرب لروسيا من أجل مزيد من الدعم لقضاياه الوطنية.

التغيرات التى تشهدها المنطقة العربية والقضايا المطروحة من داعش وخطر التمدد الإيرانى كلها أمور قربت البلدان العربية من روسيا، وموسكو تسعى، من خلال تعزيز حضورها فى قضايا الشرق الأوسط وقضايا الإرهاب الذى يضرب المنطقة، للدخول كطرف فى فض كل النزاعات والحروب الداخلية فى المنطقة، وهى بذلك تسعى بالعودة بالتاريخ إلى القطبية الثنائية للعالم عن طريق توطيد العلاقات مع الدول العربية، مستغلة فى ذلك حالة الفتور بين العرب وأمريكا، ورغبة الدول العربية فى الاستقلالية واتخاذ خطوات بعيدا عن وصاية القرار الأمريكى المنحاز حاليا إلى إيران، وإن كلفها (روسيا) ذلك تغيير سياستها ومواقفها السابقة فى بعض القضايا العالقة على غرار الأزمة السورية.

روسيا بالتأكيد لا تملك سياسة خاصة تجاه الدول العربية والخليجية، والمحدد الرئيسى لتحركاتها وتفاعلها اليوم هو المصلحة الاستراتيجية، فهى سواء فيما يتعلق بعلاقاتها بالمغرب ومصر أو السعودية بالتحديد، لا تطمح إلى أن يكون لها نفوذ باعتبار هذه الدول مناطق نفوذ واسع للولايات المتحدة، ولكنها تسعى إلى حصر هذا النفوذ ووقف أى مشاريع ممكن أن تهدد مصالحها القائمة فى المنطقة، وتسجيل بعض النقاط لصالحها. يبقى فقط أن تتعامل مصر والمغرب والسعودية مع هذا الواقع/ التقارب الجديد بما يخدم مصالحها بنهج براجماتى يتوافق مع البراجماتية التى تتبناها روسيا والعالم.

* كاتبة مغربية