شكك الكثيرون على مواقع التواصل الاجتماعي في مستوى ذكاء المذيعة ريهام سعيد بعد
المقابلة الهاتفية التي أجرتها عبر برنامجها «صبايا الخير» على الهواء مع عبدالله الكردي والد الطفل السوري إيلان الذي صدم العالم أجمع بصورة وفاته على شواطيء تركيا.
الأسبوع الماضي طافت صور الطفل المتوفي أرجاء العالم أجمع لدرجة أن رد الفعل الشعبي دفع حكومات عدة دول من كل القارات لتغيير سياساتها وأسلوب تعاملها مع اللاجئين السوريين، وخلال 24 ساعة من نشر الصورة تم التوصل لهوية الطفل ومقابلة والده الذي تحدث تفصيليا عن الحادث، كما نشرت صحافة العالم حوارات وتحقيقات مع أفراد أسرته وباقي اللاجئين في كندا وسوريا وتركيا والمجر والنمسا وألمانيا.. باختصار هناك فيض من المعلومات عن الموضوع الذي أصبح الأهم في العالم حاليا.
المؤسف أنه حينما حاولت ريهام سعيد التحاور مع الرجل كان أول سؤال وجهته إليه «أنا أسفة مش عارفة اسم حضرتك».. تصوروا أن العالم أجمع لم يكن له حديث طوال أسبوع كامل غير الرجل وأسرته فكان هذا هو السؤال الأول.
ثم انهالت الأسئلة العجيبة الموجهة للرجل على سبيل المثال «ما هو مصير باقي أفراد أسرتك؟».. «هل كان إيلان معك أم مع والدته».. «هل تقتل داعش الأطفال؟».. «هل بعد وفاتهم صعدت بهم للمركب؟».. «هل شاهدت جثثهم طافية أمامك؟».. كلها إجابات هه الأسئلة إما بديهية جدا أو يعرفها أي شخص قرأ تقريرا واحدا من ضمن آلاف التقارير المنشورة والتي كان بوسع المذيعة قراءتها ولو قبل الحلقة بدقائق أو عبر هاتفها المحمول.
والعجيب أن قبل الاتصال بوالد الطفل أذاع البرنامج لمدة دقيقة ونصف صورا للطفل المتوفي مصحوبة بموسيقى «حزايني» دون أي معلومة عنه أو عن الحادث وذلك لزوم الاستدرار الرخيص لعواطف المشاهدين.
ألم يكن من الأجدى استغلال هذا الوقت في تقرير معلوماتي يشرح القضية بتفاصيلها للجمهور في حال عدم معرفة بعضهم بالقضية، وبالمرة مساعدة المذيعة على معرفة الضيف «المجهول» تماما لها.
والمثير للشفقة أن الضيف المكلوم الذي التقى مع عشرات الصحفيين من كل الثقافات خلال أيام قليلة لم يستطع السيطرة على مشاعره نتيجة الأسئلة المستفزة فسألها بلهجته المحلية «انتي ما بتشوفي الإنترنت!».. «ما بتشوفي صور!».. فردت ريهام سعيد بكل فخر قائلة «لا أتابع الإنترنت».. وهذا اعتراف مذهل في حد ذاته وبررت ذلك بأن الانترنت لا يمكن الثقة به.. أو ربما بسبب حجم السخرية التي تنالها.. لا أحد يعرف على وجه التحديد.
وفي الوقت الذي تصور العالم أن عبدالله الكردي أصيب بأكبر فاجعة يمكن أن تصيب انسانا، أثبتت ريهام سعيد أن بوسعها أن تبهر الرجل والعالم لتخرجه عن شعوره.. حتى الرجل المحطم لا يستطع تخيل أن هناك من يملك القدرة على توجيه أسئلة بهذا القدر من الجهل والاستفزاز.
وعلى عكس غالبية المعلقين على فيديو المقابلة الذين هاجموا مستوى ذكاء ريهام سعيد ووصفوه بالضعيف جدا بما يتناسب مع مستوى أسئلتها، يرى كاتب هذه السطور أن ريهام ذكية للغاية.
فقبل إجراء الاتصال وبعد عرض صور الطفل المتوفي أكدت أن ما حدث للطفل المسكين كان سيحدث للمصريين لولا الجيش المصري، وبعد الاتصال بالرجل عادت شكر الجيش المصري والداخلية المصرية و«أمناء الشرطة الشرفاء».. بدون أي معلومات عن طبيعة الأزمة السورية أو سبب نزوح اللاجئين أو شرح كيفية تعامل جيش بشار الأسد وداعش مع النازحين من ديارهم قبل أو بعد الأزمة.
وكأن المصريين يحتاجون لمن يذكرهم بأهمية جيشهم الذي يتكون من أولادهم دون انتماءات عرقية أو مذهبية والذي يحمي حدودهم منذ عشرات السنين، ولكن المزايدة واستغلال فاجعة انسانية هو تصرف لا يأتي من شخص ساذج أو ضعيف الذكاء بل من شخص يعرف جيدا ما يريده.
والمأساة الحقيقية أن هذا الحوار المستفز يتكرر كل يوم في فضائيات مصر من جانب ريهام وغيرها من رواد مدرسة «أنا مذيع مشهور وعارف كل حاجة لوحدي».
وكأن هناك فيروس يصيب عقل الصحفي أو الإعلامي المصري عندما يرى صوره واسمه متضخمين على اللوحات الإعلانية فوق كوبري أكتوبر فيتضخم احساسه بنفسه مئات مرات ويقتنع تماما أن الجمهور يشاهد البرنامج من أجل عيونه وليس من أجل المحتوى أو المعلومة.
إعلاميون يحصلون على رواتب فلكية ولا وقت لديهم للقراءة عن موضوعات البرامج «الملاكي» التي يقدمونها على الهواء، فصار من الطبيعي للغاية أن تجد من يسأل المعدين على الهواء «عندنا ايه النهارده؟» وكأن المشاهد دخل عليه فجأة في بيته، ولا يجرأ أحدهم على البحث عن اسمه على الانترنت لمعرفة رأي الناس الحقيقي فيما يقدمه.
وتكشف كواليس إعداد برامج الهواء عن ظواهر عجيبة مثل الإعلامي الذي يتحدث على الهواء بالساعات ليتم إلغاء فقرات كاملة من برنامجه والاعتذار لضيوف تم الاتفاق معهم للظهور لمجرد أن «الباشمذيع» يريد الحديث بمفرده، والمذيعة التي مع وقوع أي حدث كبير في البلد أول ما تفكر فيه «ماذا سيقال عن موقفي بعد البرنامج من جانب النظام الحاكم أو صاحب القناة أو الناس»، اما الأشياء التافهة مثل البحث عن الحقيقة أو تقديم معلومة من مصدر موثوق فهي أمور هامشية.
ثم يأتي الاصرار العجيب على أن تكون كل البرامج على الهواء مباشرة بهدف إغراء المعلنين ليتحمل المشاهد ساعات من نفاق الضيوف والهراء والحشو والمواقف المبتذلة والمشاجرات التي غالبا ما تنتهي بابتسامة صفراء لشخص لزج يؤكد أنه يبذل جهدا خارقا للبحث عن الحقيقة.
رحم الله إيلان الكردي وأسرته.. ونسأل الله أن يرحمنا أيضا.
ملحوظة أخيرة: في حال تعرض كاتب هذا المقال لأي مكروه بعد النشر فهو يحمل «المجلس الأعلى للعالم» كامل المسئولية.
ناقشوني على تويتر @nasry