زلزال الضبعة

محمد المخزنجي الخميس 10-09-2015 13:06

فى مقال الخميس الماضى «كوابيس الحلم النووى» حاولت إيجاز مثالب المحطة الكهرونووية المُزمَع إنشاؤها فى مصر، ابتداءً من ارتهاننا لاستيراد الوقود والتخلص من النفايات، والارتفاع الفعلى لسعر الكيلوواط ساعة من الكهرباء المولَّد منها مقارنة بغيره من المصادر الأخرى، وتوقفت عند ما ظل مروجو «الحلم النووى» ساكتين عنه، وهو تكاليف وأعباء ومخاطر تفكيك المفاعلات عند تقاعدها، وهى عملية تنوء بأعبائها دول كبرى أغنى منا وأكثر تقدماً علمياً وتقنياً، وانتهيت إلى أن تلك المفاعلات بشروطها المذكورة وفى حالتنا الاقتصادية والأمنية تكون نوعاً من مقامرة يسدد خسائرها الأكيدة أولادنا وأحفادنا مما يُعَدُّ موقفاً لا أخلاقياً من زاوية مفهوم الاستدامة، لم أتعرض إطلاقاً للموقع، الذى لم أره، إلا مساحة بيئية مطيرة يمكن أن توافر مزيداً من الغذاء للأفواه التى تتزايد عندنا بانفجار، وإذ بالإشارة التى أحسبها فوق بشرية، بلا دروشة ولا خرافة، بل بقانون الصدفة التى لا تأتى إلا لمن يستحقها، تلمع فى الساعات الأولى من يوم الخميس نفسه، لتضيف بتجليها ما يكشف المخبوء بخصوص هذا الموقع، وهو خطير.

فى تمام الساعة 1، و44 دقيقة، و40 ثانية بتوقيت جرينتش، وقع زلزال وصفه مركز مراقبة الزلازل الأورومتوسطية «EMSC» بأن قوته 4.4 درجات على مقياس ريختر، فى محافظة مطروح، على بعد 170 كيلومتراً من مدينة الإسكندرية، و140 كيلومتراً من مدينة مطروح، وعلى عمق 10 كيلومترات بالقرب من العلمين. وفى اليوم التالى صرح الدكتور أبوالعلا أمين، رئيس المعهد القومى للبحوث الفلكية لـ«العربية نت»، بأن سكان مدينة مطروح ومدينة الإسكندرية شعروا بالزلزال، وأكد أن الزلزال قوته 4.4 درجة على مقياس ريختر، وستكون له توابع بدرجة أقل من 4 ريختر، ومن ثم لن يشعر بها المواطنون. وفى تصريح آخر لبرنامج «الحياة اليوم» أضاف أن الزلزال ليست له خطورة، وإن كانت خطورة الزلازل تكمن فى البيئة التى يعيش فيها المصريون فى وادى النيل، وتتكون من تربة طينية هشة تساهم فى تضاعف قوة أى زلزال من 5 إلى 6 مرات، مثلما حدث فى زلزال 1992. وبمواكبة ذلك وفى أعقابه، كان الخبر يتم تداوله ومناقشته فى وسائل الإعلام وعلى مواقع الإنترنت دون التطرق إلى أخطر دلالاته؟!

الذى لم يُنشر ولم يُناقش، هو أن هذا الزلزال حدث فى منطقة على اليابسة وليس فى البحر، وأن هذه المنطقة ومحيطها البالغ قطر دائرته 150 كيلومتراً، هى موضع زلازل قوية منذ عام 1900، طبقاً لما أروده موقع «فولكانو ديسكفرى» المتخصص فى رصد الزلازل وفوران البراكين عالمياً لحظة بلحظة، وقد كرر المعلومات ذاتها موقع Earthquake-report.com مصحوبة بخريطة من خرائط «جوجل إيرث»، تُبين موقع حدوث الزلزال، والمفاجأة أن تكبير هذه الخريطة لتحديد ملامح وتفاصيل إضافية فى معلوماتها، يكشف أن موقع الزلزال يقع عمودياً بالضبط جنوب الضبعة، وأقرب ما يكون منها، مما يضع الضبعة فى متن منطقة الزلازل القوية التى قطرها 150 كيلومتراً.

إنها مفاجأة لا مفاجأة فيها لو أعملنا العقل فى تأمل ما وراء السطح ولو قليلاً، فمجرد ربط هذا الزلزال وغيره من زلازل المنطقة مع ما يتصاعد الحديث عنه بشكل احتفائى عن البحر المتوسط كأكبر متحف للآثار الغارقة فى العالم، وأن نصيبنا من هذا المتحف هو الأعظم، إلى درجة التفكير فى إنشاء متحف كبير تحت الماء لآثارنا الغارقة فى البحر أمام الإسكندرية، فإن الذهن المشغول بصداع محطة الضبعة النووية المُزمع إنشاؤها، وإن بدرت إشارات توحى بأن موضوعها يتعثر، وربما يكون رهن التغاضى عنه بذكاء ولباقة، خاصة مع بشائر ظهور الغاز الواعد فى مياهنا الاقتصادية، يكتشف أن الضبعة ليست بعيدة عن الزلازل كما أوهمنا البعض، وبإضافة ذلك إلى مثالب هذا المشروع يتأكد أنه ليس مجرد مخاطرة ولا مغامرة محسوبة النتائج، بل مقامرة من مبتداه إلى منتهاه، بل حتى قبل أن يبتدى. مقامرة بشعة، لا نعرف أى موقع يمكن أن تحتله نهايتها فى أكبر المتاحف الغارقة فى العالم تحت مياه المتوسط، شأن قصر كليوباترا الذى انزلقت به الأرض ليغرق فى أعماق البحر! لا قدَّر الله.