العدل أساس الملك، والإحساس بالعدالة والمساواة، حتى لو ارتبط بإجراءات قاسية، يجعل الجميع يقبل بهذه الإجراءات، وهذا بالضبط هو جوهر كل ما أُثير حول قانون الخدمة المدنية من مظاهرات واحتجاجات ومحاولات متأخرة من الدولة لامتصاص ذلك وتبرير القانون.
منذ البداية والرئيس يؤكد أن الجهاز الإدارى للدولة يحتاج إلى إصلاحات كبيرة، وبدا هذا واضحا فى خطاب إعلان ترشيح نفسه للانتخابات الرئاسية فى مارس من العام الماضى، واتفقت معه تماماً فى ذلك، بل أزيد على ذلك، لكن لإصلاح الجهاز الإدارى هناك مجموعة من القضايا لابد من دراستها بشكل جيد، ولابد من البدء فى الإصلاح كعملية متكاملة، لأن الأمر مرتبط بالإصلاح العام فى هيكل الدولة.
لكن إذا افترضنا أن الدولة قررت البدء فى إصلاح الجهاز الإدارى بقانون الخدمة المدنية، إلا أنها غفلت عن الترويج له، ولما يحمله فى طياته من إيجابية من أجل الإصلاح، كما أن طرح القانون بهذا الشكل ترتب عليه عدد من الأخطاء التى يجب على الدولة الالتفات إليها: أول هذه الأخطاء هو شعور المواطنين بغياب مفهوم العدالة فى القانون وعدم تطبيقه على الجميع، وهو ما دفع البعض للتظاهر، أو المطالبة بإلغاء القانون، وسبب ذلك راجع إلى أن الدولة لم تقم قبل إقرار القانون بتسويق القانون وشرحه، فلم يخرج أحد ليتحدث عن الهدف من القانون، وما الذى سيعود على المواطن منه، وما فائدته للدولة، وما صحة ما روّجه البعض من شائعات ضد القانون، وهو ما ترك الساحة فارغة أمام كل مَن يريد أن يدلى بدلوه إن كان بحسن نية أو بسوء نية، ولم تُترك حتى الفرصة لمن هم فى صف الدولة للدفاع عن القانون، لأن الدولة نفسها لم تقم بهذا الدور قبل إصدار القانون أو بعده، ولم تقم بهذا الدور إلا متأخراً جداً، قبل يومين أو ثلاثة، وكان يمكن لهذا الظهور المتأخر جداً أن يحسم ويرد مبكراً على كل ما أُثير وقيل حول القانون.
الخطأ الثانى: عندما بدت الدولة أنها تعاند الموظفين، فلم تخرج لتتحدث معهم أو تشرح لهم القانون، أو حتى ما يمكن اعتبارة استجابة منها لمطالب الموظفين، وبدا أن هؤلاء فى واد وأولئك فى واد آخر، وتضخم إحساس لدى الموظفين بأن الدولة تعاندهم وتريد أن تأخذ ما فى جيوبهم، مع أنه كان من الممكن أن يبدأ حوار مبكر حول القانون بشأن هذه القضية، لتجنب هذا الشعور لدى الموظفين، وحتى لا تخسر فصيلاً كبيراً بإهمال الحوار معه.
الخطأ الثالث: عندما تحدث بعض أطراف الدولة عن أن قانون الخدمة المدنية سوف يزيد الضرائب 15 مليار جنيه، وكان طبيعيا أن يسأل الموظفون: كيف ستزيد الضرائب؟ وأن يربطوا ذلك بما تردد عن الخصومات من رواتبهم، وأن يستجيبوا للشائعات التى يروجها البعض ضد القانون، وهو ما اعتبروه ضدهم، كل هذا دون أن يخرج أحد ليشرح أو يوضح بنود القانون، وأهميته لإصلاح الهيكل الإدارى للدولة، ورغم وجود شكل من أشكال الشك فى القانون، فإن كل النقاط تبقى قابلة للنقاش والحوار من قِبَل الدولة، وإن كان يجب عليها أن تبدأ ذلك مبكراً.
لكن يظل الخطأ الأساسى هو أن يخرج بعض الوزراء أو المسؤولين ليعلنوا بفخر أن وزاراتهم أو هيئاتهم معفاة من تطبيق قانون الخدمة المدنية، أو أن يقول أحدهم إن موظفى شؤون الرئاسة ومجلس الوزراء تم إعفاؤهم من القانون، وهو ما أعطى انطباعاً لدى الموظفين بأن القانون عقاب، وبدت لهجة الوزراء بأن القانون لا ينطبق على وزاراتهم بأنهم حصلوا على ميزة تؤكد نظرية العقاب، التى جعلت الموظفين يشعرون بأنهم أبناء البطة السوداء.
القضية الأساسية فى كل ما أُثير حول قانون الخدمة المدنية هى غياب الإحساس بالعدالة لدى المواطنين، حتى لو كان الهدف منه هو هدفا نبيلا، ويسعى للإصلاح، إلا أن أسلوب طرحه وتطبيقه خاصمه الصواب.