بالفعل، مصر ممكن تنضف، شرطان أساسيان للنضافة، الأول هو العزم على محاربة الفساد، الثانى ألا يكون هناك خيار وفقوس فى تلك الحرب، الشرط الأول يتطلب فتح جميع القضايا المسكوت عنها بلا استثناء، والشرط الثانى يتطلب القبض على كل من وردت أسماؤهم فى هذه القضايا فوراً وبنفس طريقة القبض على وزير الزراعة، وإلا فإن الإفراج عن الرجل، بل الاعتذار إليه يصبح ضرورة لتحقيق المساواة، ومازلت أؤكد أن القضية ٢٥٠ المحظور النشر بشأنها، هى الأهم على الإطلاق فى تاريخ مصر، لأنها لا تتعلق بفساد فقط، وإنما بخيانة، وتخابر، وتربح، وبجاحة، ووقاحة فى آن واحد. تتعلق بنجوم مجتمع ضج منهم الجميع، تتعلق بمخربين لا يتورعون حتى الآن عن التخريب.
سوف يصفق رجل الشارع للقيادة السياسية ومؤسسة القضاء فى آن واحد بمجرد رفع حظر النشر عن هذه القضية، والإعلان عن جدول زمنى للانتهاء منها، لن تكون هناك قضايا بعد ذلك أكبر من الدولة، ولا أكبر من النظام، لن يكون هناك أشخاص فوق القانون، جميع القضايا سوف تصبح مفتوحة شئنا أم أبينا، حينما تتهاوى مراكز القوة يصبح من السهل التعامل على جميع الأصعدة، ربما لأنى على دراية بالأسماء التى تضمها هذه القضية أجزم بذلك، لم يختلف معى أحد من عشرات تحاورنا حول هذا الموضوع، هناك إجماع على ارتفاع شعبية الرئيس إلى مستوى قياسى بمجرد فتح هذه القضية، سوف يسترد الرئيس عافيته فى الشارع، وسوف يسترد الشارع عافيته المفقودة، كما سوف نستعيد ثقة الناس فى القضاء، وهذا أيضاً قضية على قدر كبير من الأهمية.
تأتى بعد ذلك جميع القضايا المسكوت عنها طرف الجهاز المركزى للمحاسبات، المستشار هشام جنينة رئيس الجهاز تحدث قبل ذلك عن نحو ٩٥٠ قضية، فى الوقت نفسه القضايا طرف هيئة الرقابة الإدارية، وأعلم أنها أيضاً كثيرة، أثق فى أن وجود نجل الرئيس ضمن أعضاء الهيئة سوف يثرى هذه القضايا، سوف يمنحها زخماً كبيراً، بحكم معرفتى وربما صداقتى بعدد كبير من أعضاء الهيئة على مدى سنوات طويلة، أعلم كم يتحمسون لقضاياهم التى بذلوا فيها جهداً كبيراً حتى اكتملت حلقاتها، أعلم كم أنهم كانوا يكتمون الغيظ حين تصدر تعليمات بإغلاق هذا الملف أو ذاك، نفس الحال بالنسبة لأعضاء الجهاز المركزى للمحاسبات، معلوماتى الشخصية هى أن هؤلاء وأولئك الآن فى غاية التأهب والحماس، يدركون أننا قد نكون على أبواب مرحلة جديدة من محاربة الفساد، لديهم طاقة للعمل على مدار الساعة، فى الوقت نفسه يخشون أن يندرج الأمر تحت نظرية (الغربال الجديد).
ما هو مؤكد الآن أن جميع الأجهزة الرقابية فى مصر سوف يصاب أعضاؤها بالإحباط الشديد إذا اكتشفوا أن الأمر كذلك، إذا لم يتم فتح جميع القضايا الجاهزة للمساءلة والتقاضى بما فيها القضية ٢٥٠، التى سهر عليها أحد الأجهزة السيادية شهوراً طويلة حتى تجمعت أدلة الإدانة، نأمل أن يعلن الرئيس صراحة فتح جميع القضايا دون استثناء، ولا حظر للنشر فى أى قضية، وجدولاً زمنياً للانتهاء منها حتى تتفرغ الأجهزة لما هو جديد، وما هو بقليل، وذلك لأن طريقة عمل الرقابة الإدارية تحديداً منذ عام ١٩٩٨ قد أتاح لها العمل باحترافية شديدة، وتحديداً منذ أن أصبحت تتعامل مع القضايا أو الوقائع بدون مُبلِغ، وذلك من خلال قطاع عمليات كان على مستوى عال من الكفاءة حين ذاك، ومازال يعمل بنفس الأداء.
وكما أن الإرادة واضحة لدى هذه الأجهزة لتقديم المزيد، أعتقد أن الإرادة السياسية بنفس القوة، وهو ما بدا واضحاً فى القضايا التى تم فتحها مؤخراً، الأرقام تتحدث عن فساد بقيمة ٦٠٠ مليار جنيه فى إحدى القضايا الخاصة بالأراضى وحدها، هو عشر مرات ضعف الرقم الذى تم جمعه من أجل حفر تفريعة قناة السويس، لنا أن نتخيل أن هذا هو بند واحد من بنود لا حصر لها.
بالفعل طريق مكافحة الفساد وحده يمكن أن ينهض بمصر، كل مصر، ليس من خلال استرداد ما تم نهبه فقط، وإنما من خلال ضمان العمل بشفافية مستقبلاً، سوف يأمن الناس على أموالهم، بالتالى سوف تخرج هذه الأموال إلى النور، سوف يثق المغتربون فى حكومتهم، بالتالى سوف تصل التحويلات اليومية لأرقام غير مسبوقة، سوف يثق الآخرون فى قوانين البلاد، بالتالى سوف تنهال الاستثمارات الأجنبية، سوف تعتدل الموازنة العامة للدولة، بالتالى سوف تثق فينا المؤسسات وصناديق النقد الدولية.
أثق فى أن الأيام والأسابيع القليلة المقبلة تحمل الكثير فى هذا الصدد، كما أثق فى أن مافيا الفساد لن يقفوا مكتوفى الأيدى، قد يضعون يدهم فى أيدى الإرهابيين، وقد يستقوون بعواصم خارجية، وقد يتلاعبون باقتصاد الدولة، وقد يتمردون، وقد، وقد، وقد، الاحتمالات كثيرة، إلا أن ثقتنا فى المواطن كبيرة، سوف يكون على وعى بكل ذلك، سوف يتصدى، سوف يساعد الجهات الرسمية، هى فرصته للإسهام فى صنع غد أفضل له ولأبنائه وأحفاده من بعده.
إلا أننا ما زلنا نؤكد أن الكُرة فى ملعب القيادة السياسية، عليها فقط أن تنتفض، تحت شعار (مصر ممكن تنضف).