ياريت.. ياريت.. أرجو ثم أرجو أن أختلس أو أسرق دقائق قليلة من وقت السيد رئيس الوزراء إبراهيم محلب.. رغم أن وقته ثمين جداً.. ولكن هذا الموضوع الذى سبق أن كتبت عنه منذ سنوات يستحق.. بل يستحق جداً هذه الدقائق.
ودون أن أضيع دقائق أخرى أدخل فى الموضوع، وأقول ما دمتم قد قررتم القيام بحملة عامة لإعادة إصلاح مختلف المستشفيات.. بل بدأت الحملة فعلاً.. أرجو أن نأخذ بفكرة المرحوم الدكتور محمود محفوظ التى عرضها على الرئيس السادات عندما بدأ التفكير فى تطبيق نظام تأمين الطب فى مصر مثل كل دول العالم.. بصرف النظر عن تفاصيل التأمين.. كانت أول ملاحظة للدكتور محفوظ هى أن مستشفياتنا لا تصلح لتأمين الطب فقط.. بل لا تصلح أيضاً لأداء عملها على أكمل وجه.. فمصر دون دول العالم «مستشفياتها هرم مقلوب».. كيف؟!.. أقول لك:
مستشفياتنا معظم أدوارها إن لم يكن كلها عدا دور أو دورين عبارة عن عنابر سراير ينام عليها عدد ضخم من المرضى.. فى انتظار دور كل منهم فى الأشعة أو التحليل أو مجرد الكشف أو حتى نتيجة الأشعة أو التحليل!! المرضى فوق السراير وحلل المحشى والكفتة تحت السراير ومعها عدد لا بأس به من القطط!! ودور واحد أو دوران عيادات وحجرتان أو ثلاث للعمليات!! ونصف دور على الأكثر ما يسمونه «استقبال» فيه طبيب واحد أو طبيبان على الأكثر!
هرم مقلوب!! فى كل دول العالم المتمدين وغير المتمدين.. الاستقبال هو كل المستشفى يعمل 24 ساعة كاملة، به عدة حجرات لإجراء العمليات والأشعة والتحاليل وغيرها.. كل مريض يتم علاجه فوراً ويعود إلى منزله إلا هؤلاء الذين يجرون جراحة ويحتاجون للعناية المركزة أو حتى الراحة.. رغم أن معظم الجراحات لا تحتاج للنوم فى المستشفى!! وفى هذا راحة بل إنسانية للمريض وراحة بدنية وراحة ضمير للطبيب ونظافة للمستشفى واختصار ضخم جداً للنفقات.
صدقنى يا سيادة رئيس الوزراء كل مستشفياتنا محتاجة لأن تكون كلها -عدا دور واحد- «استقبال» مثل كل دول العالم.. الموضوع ليس أجهزة طبية جديدة كثيرة ولا زيادة الأدوار والأسرة والقطط.
ثم نظام أوروبا يزيد من عدد الأطباء والممرضات، لأن العمل 24 ساعة يحتاج لأضعاف عدد الموجودين حالياً.
مستشفياتنا عبارة عن فنادق «درجة عشرة» أو أقل مليئة بالقادمين من الأرياف يخرجون طول النهار ثم يعودون فى المساء للنوم فقط فى المستشفى.
يشهد على كلامى هذا كابتن مصر الكبير على أبوجريشة.. ولا تتعجب.. فبعد مقتل السادات بـ48 ساعة كانت الجلسة تضم حسين عثمان الذى كلفه السادات بمشروع الصالحية لمنع استيراد القمح ومحمود محفوظ المكلف بتأمين الطب.. وغيرهما فى مبنى المقاولون العرب.. فأرسلوا لى أبوجريشة بعد أن استقر رأيهم على أننى أكتب بصراحة تامة.. وكانت كتاباتى هذه هى سبب العداء الشديد من الرئيس المخلوع طوال فترة حكمه.. وهذه قصة طويلة كتبتها فى «الأخبار» فى حلقتين طويلتين!!