فاروق ظالماً ومظلوماً (5)

صلاح منتصر الإثنين 07-09-2015 21:05

عندما ركعت نازلى تحت قدمى الملك طالبة الزواج فى عام ١٩٤١ فوجئ الملك فاروق بأمه نازلى صاحبة لقب الملكة الأم تدخل حجرته مع أحمد حسنين، رئيس ديوانه ومستشاره الأول، وتركع تحت قدمى الملك ترجوه أن يحقق لها أمنيتها فى «الزواج عرفياً» من الرجل الذى أحبته وتريد أن تمضى معه بقية عمرها.

ويحكى الأستاذ محمد حسنين هيكل فى كتابه «سقوط نظام» (ص 48) أن فاروق روى هذه الحكاية بنفسه لسكرتير الديوان فى ذلك الوقت حسن باشا يوسف (أصبح بعد ذلك رئيساً للديوان بالنيابة)، وبعد سنوات عندما تنازل فاروق عن عرشه وألح عليه هيكل كتابة مذكراته، حكى حسن يوسف الحكاية:

كانت نازلى (من مواليد ١٨٩٤ وتوفيت فى مايو ١٩٧٨) ابنة عبدالرحيم باشا صبرى الذى كان مديرا لمديرية المنوفية وأمها حفيدة سليمان باشا الفرنساوى الذى جاء مع الحملة الفرنسية بقيادة نابليون وأعجب بمصر واعتنق الإسلام وأصبح مؤسسا ومدربا للجيش المصرى.

وقد اختار السلطان أحمد فؤاد نازلى لتكون زوجة له فى عز أحداث ثورة 1919 بعد عامين من توليه السلطنة عام 1917. وكان فؤاد قد فشل فى زواجه الأول من الأميرة شويكار التى بدورها تزوجت بعد طلاقها من الأمير إلهامى حسين باشا، ثم من سيف الله باشا يسرى الذى أنجبت منه ولدين وأنثى هى الأميرة لطيفة التى تزوجت أحمد حسنين، رائد فاروق ومرافقه فى رحلته إلى لندن للدراسة قبل عودته لتولى العرش، ثم بعد ذلك مستشاره إلى أن تولى رئاسة الديوان.

وهو سرد مهم لفرع من شجرة العائلة المالكة. فبعد زواج فؤاد من نازلى أغلق عليها فؤاد أبواب القصر ومنعها من أن يكون لها نشاطها ومجتمعها كما فعل مع فاروق الذى شب داخل القصر دون أن يكون له أصدقاء من سنه ودون مدرسة يلتقى فيها زملاء يصاحبهم. ونتيجة لذلك ازدادت كراهية نازلى لفؤاد وما إن توفى عام ١٩٣٦(وكانت سنها فى ذلك الوقت 42 سنة) حتى أحست أنها خرجت من سجنه وأرادت تعويض رغباتها المكبوتة. وسواء بتخطيط من أحمد حسنين معلم ورائد فاروق أم لإعجابها بشخص حسنين، فقد وقعت نازلى فى غرام حسنين. ونجحت المكائد فى جعل حسنين يطلق زوجته لطيفة، ليصبح زواجه من نازلى طبيعيا، خاصة بعد أن أصبح رئيس ديوان الملك وموضع ثقته.

وكان على فاروق أن يتحمل الصدمة التى تلقاها من أمه التى مهما كانت فهى أمه، وأن يخفى الخبر عن القصر على طريقة النعامة التى تدفن رأسها فى الأرض متصورة أن الآخرين بذلك لم يعودوا يرونها.

وللإنصاف فإن الحياة استقرت بنازلى وحسنين خمس سنوات إلى أن فوجئت مصر يوم ١٩ فبراير ١٩٤٦ بخبر مصرع حسنين وسط كوبرى قصر النيل فى حادث سيارة كان يقودها إنجليزى مخمور. وكان أول ما فعله فاروق أن أسرع إلى بيت حسنين فى الدقى ليجمع كل أوراقه حتى لا يقع عقد زواج أمه العرفى فى أى يد!

وبنهاية حكاية نازلى وحسنين بدأت حكاية أخرى أغرب وأسوأ. فبعد شهور من وفاة حسنين ضاقت نازلى المتعطشة للحياة فسافرت إلى الخارج مع ابنتيها القاصرتين فائقة وفتحية. وقد صحب نازلى شاب من أسرة معروفة هو فؤاد صادق بك. وفى مرسيليا كان فى الانتظار شاب آخر من موظفى القنصلية المصرية ليقدم للأسرة الملكية ما تحتاج من خدمات. ويبدو كما يحكى د. حسين حسنى، سكرتير فاروق فى كتابه: شهادة للحقيقة والتاريخ إصدار دار الشروق، أن نازلى وجدت فى نشاطه ما جعلها تطلب السماح له بمرافقتها وابنتيها إلى سويسرا ثم بعد ذلك ألحقته بحاشيتها كسكرتير خاص صحب الأسرة من سويسرا إلى أمريكا، حيث جرت لها عمليات جراحية. وتطورت العلاقة بين الأميرتين فائقة وفتحية والشابين الملازمين فؤاد صادق الذى باركت نازلى خطبته لفائقه، ورياض غالى الذى باركت خطوبته لفتحية. وجن جنون فاروق بهذه الأخبار وطلب عودة أمه بعد أن أصبحت حكاياتها على الألسنة، ولكن نازلى ركبها العناد مما جعل مجلس البلاط (المختص بنظر قضايا الأسرة المالكة) يقرر بناء على طلب من الملك حرمان نازلى من لقب «الملكة» ومنعها من التصرف فى أموالها ووقف وصايتها على فتحية، وحرمان شقيقتيه من لقب الإمارة، والحكم بالتفرقة بين فتحية ورياض غالى.

واستطاعت فائقة أن تحصل على عفو أخيها وتعود إلى مصر مع زوجها، فى حين بقيت نازلى وفتحية وزوجها فى أمريكا. وفى نهاية مأساوية درامية بدد فيها رياض ثروة فتحية وتم تطليقها منه رسميا، ونجح فى استدراجها إلى بيته وأطلق عليها الرصاص فقتلها، وبعد ذلك حاول الانتحار ولكنه لم ينجح، وأصيب بالشلل، وحكم عليه بالسجن الذى أصيب فيه بالعمى ومات بعد ثلاث سنوات من مقتل فتحية. أما نازلى فقد عاشت أيامها الأخيرة فى فقر، وكان فاروق قد جرى خلعه عن العرش وأمضى بقية عمره فى منفاه فى إيطاليا دون أن يسأل عن أمه أو تسأل الأم عن ابنها، وماتت عن ٨٣ سنة ودفنت فيما يشبه مقابر الصدقات!

salahmont@ahram.org.eg