قدر هانى قدرى دميان، وزيرالمالية، الفجوة التمويلية للاقتصاد المصرى بنحو 36 مليار دولار، وقال إن الحكومة تنتظر بعثة صندوق النقد الدولى، التى من المقرر أن تزور القاهرة قبل عيد الأضحى لمراجعة مشهد الاقتصاد المحلى، فى ضوء ما يحدث على ساحة الاقتصاد العالمى.
وأضاف دميان، فى حوار لـ«المصرى اليوم»: «الحكومة تؤمن بقدرة الاقتصاد على أن يتبوأ مكانة بين الاقتصادات العالمية من خلال استثمارات ضخمة، وتحسين آليات الإدارة الاقتصادية، فى ظل حجم التحديات الخارجية والداخلية الكبيرة، ولدينا عزيمة أكبر، فى المقابل، على تجاوز جميع الصعوبات». وتابع: «تقلبات الأسواق العالمية خلال الفترة الأخيرة تأتى فى مجملها لمصلحة مصر حتى اللحظة الراهنة، لاسيما أنها تسهم فى تخفيض تكلفة المنتجات الأولية التى نستوردها من الخارج إلى جانب أن الأزمة قد تخلق من مصر نقطة مضيئة بديلة لجذب الاستثمارات المالية وتترك الأسواق الأخرى، وهو ما ظهر فى الأزمة المالية العالمية عام 2008، بينما قد يكون الأثر السلبى الوحيد على القطاع السياحى، نظرا لانخفاض السياحة الوافدة من البلدان التى تعانى من الأزمة».
وقال الوزير: «سيتم إقرار تعديلات قانون الصكوك كآلية تمويلية خلال العام المالى الحالى لسد العجز المالى بالموازنة العامة، سواء بطرحها داخليا أو خارجيا، لكن لم تتم الموافقة على القانون بشكل نهائى».. وإلى نص الحوار:
■ فى البداية نود التعرف على ملامح قانون ضريبة القيمة المضافة الجديد وما أسباب تأخره؟
- كنا نطمح أن يتم تطبيق ضريبة القيمة المضافة بداية العام الجارى 2015-2016، حيث كان لدى أمل فى تطبيقها خلال أول 3 شهور من العام، لكن التأخير جاء بسبب الحوارات المجتمعية المستفيضة التى تديرها الوزارة مع اتحاد الصناعات والغرف التجارية وأصحاب الأنشطة التجارية والصناعية الصغيرة، من خلال مجموعات عمل مصغرة، وسيتم خلال أسبوعين عرض القانون للمواطن العادى للاطلاع عليه وإبداء رأيه فيه عبر الموقع الإلكترونى لوزارة المالية.
لكن هنا يجب الالتفات إلى أن القانون مطبق بشكل جزئى، لكننا فى الحكومة نسعى إلى تطبيقه بشكل كامل من خلال خصم المدخلات المباشرة وغير المباشرة مع توحيد سعر الضريبة وقصر الإعفاءات على السلع والخدمات ذات البعد الاجتماعى، وتم الاتفاق على رفع حد التسجيل للنشاط الصناعى والتجارى إلى 500 ألف جنيه، مقارنة بـ54 و150 ألف جنيه بالقانون الحالى لضريبة المبيعات، ما يساعد على دخول شرائح كبيرة من القطاع غير الرسمى، وأعطى القانون ميزة تنافسية للتاجر المسجل، ما يساعد على ضبط السوق، ومع ذلك القانون سوف يسمح بالتوسع فى التسجيل الاختيارى لمن هم دون حد التسجيل كما هو الحال فى الوقت الراهن، وهناك نحو 40 ألف ممول اختيارى لدى المصلحة، لتفادى الضريبة التراكمية.
وسيتضمن القانون توسيع القاعدة الضريبية لتشمل جميع السلع والخدمات وتوحيد السعر، وسيتم الإبقاء على العبء الضريبى المفروض على السلع الغذائية دون تعديل، وكذا أسعار الضريبة على السيارات بجميع سعاتها المختلفة، وإخضاع الصادرات لسعر ضريبة صفر.
■ هناك مخاوف من الآثار التضخمية للقانون الجديد؟
- نستهدف إطلاق ضريبة القيمة المضافة خلال الربع الأخير من 2015 أو مطلع 2016، وقامت الحكومة بقياس الآثار التضخمية، حيث أعددنا دراسة أكثر تحفظا، أظهرت أن الأثر التضخمى للضريبة الجديدة سيكون فى حدود 1.5% إلى 2.5% لمرة واحدة، نتيجة ارتفاع سعر السلعة أوالخدمة، وهى زيادة محدودة ولن يشعر بها المواطن، وفى المقابل، الحكومة ستتخذ مجموعة من الإجراءات الاجتماعية لتعويض المجتمع بعدة أشكال من خلال آليات التحويلات والدعم النقدية المباشرة ويجرى دراسة التركيبة لذلك للاستقرار عليها، والفئات الأعلى دخلا تتأثر بالقانون بنسبة تضخم تصل إلى 5.3%، بينما لا تتجاوز فى الفئات الأقل دخلا نصف فى المائة.
ونهدف من خلال القانون إلى رفع كفاءة الإنتاج والمنافسة للمنتج المصرى وقطاع الأعمال، وزيادة الحماية الاجتماعية للطبقة المتوسطة والفئات الأولى بالرعاية، وربط الحصيلة الضريبية بصورة أفضل بالنشاط الاقتصادى.
■ القانون الجديد يعتمد بشكل كامل على الفواتير كيف ستنشر الوزارة ثقافة التعامل بالفواتير؟
- ستصاحب هذه الإصلاحات تعديلات تشريعية للحوافز والعقوبات المشددة لمنع تداول أى سلعة أو خدمة دون فواتير، فسيتم تطبيق غرامة على المتهرب قد تعادل قيمة البضاعة محل المخالفة، كما ستتم إضافة ضريبة إضافية على الممول غير الملتزم بالفواتير يجرى دراسة قيمتها، حتى يتساوى الإقبال من المسجل وغير المسجل، وفى المقابل هناك امتيازات للمستهلك والتجار أو المصنع الملتزم وستكون هناك مسابقة شهرية توزع فيها جوائز مالية تصل إلى آلاف الجنيهات لنحو ألف مواطن من كل محافظة، بالإضافة إلى جانب سحب سنوى تصل قيمة المكافأة فيه إلى 5 ملايين جنيه لأكثر من مواطن يتعامل بالفاتورة فى مشترياته وتعاملاته.
وسيكون هناك انتظام أفضل للسوق من حيث السيطرة على الاقتصاد غير الرسمى، فضلا عن إجراءات إدارية لمساندة المنظمات غير الحكومية، حيث يرغب قطاع الصناعات فى التعجيل بتطبيق القيمة المضافة بشكل كامل، وتحقيق العدالة الضريبية.
■ ما طبيعة التعاون مع صندوق النقد الدولى فى مشروع القيمة المضافة؟
- الصندوق أعد لنا دراسة كجهة محايدة لحساب الأثر التضخمى للقيمة المضافة، حيث بلغ 1.5% زيادة فى الأسعار، بينما أجرينا دراسات أكثر تحفظية، وأسوأ سيناريو وصل إلى 2.6%.
■ ما آليات التمويل التى تعول عليها الحكومة لدعم الاستثمارات العامة؟
- وضعت الحكومة على رأس أولوياتها لتمويل خططها الاستثمارية تعظيم دور الاستثمار الأجنبى المباشر إلى جانب آليات التمويل المختلفة، سواء آلية PPP أو pot وPoo، وهى آليات بمشاركة القطاع الخاص للحكومة، بالإضافة إلى الاعتماد على تمويلات ميسرة من مؤسسات التمويل الدولية كالبنك الدولى والبنك الأوروبى للإنشاء والتعمير والبنك الإسلامى للتنمية والبنك الأفريقى للتنمية.
وهناك بعض المشروعات نلجأ إلى الاستثمار الحكومى المباشر بها، وعادة ما تكون استثمارات مميزة لجذب استثمارات أخرى، والحكومة ستدخل فى مشروعات إنتاجية وصناعية بالتمويل.
■ ماذا عن آلية الصكوك؟
- سيتم إقرار تعديلات قانون الصكوك كآلية تمويلية خلال العام المالى الحالى 2015/ 2016 لسد العجز المالة بالموازنة العامة، سواء بطرحها داخليا أو خارجيا، لكن لم تتم الموافقة على القانون بشكل نهائى.
■ ما مصير تعديلات قانون المناقصات والمزايدات؟
- الشكل الرئيسى لتعديل قانون المناقصات والمزايدات يشمل التعامل مع مستجدات الاقتصاد المصرى، سواء السلع والخدمات فى تعديلات جديدة تواكب الأسواق، وهذه التعديلات فى مراحل المراجعة داخل وزارة المالية، حيث تلقينا ملاحظات من المجتمع المدنى، وسنقدم التعديلات بدورنا إلى مجلس الوزراء، لكن النقاش حوله ليس باستفاضة قانون القيمة المضافة.
■ كيف ترى الأثر المالى والاقتصادى لاكتشاف الغاز الجديد؟
- يعطى أملا كبيرا لاكتشافات أخرى مستقبلية بذات المستوى من شأنها ليس فقط تحسين الوضع الاقتصادى، لكن اكتشاف ثروات تخدم التنمية والأجيال المقبلة، وأهمية الكشف ليس فقط بحجمه وتوقيته، لكن أيضا فى طبيعة تركيبه الجيولوجى للمنطقة التى تم اكتشافه فيها، ما يسهم فى تعزيز الاحتياطى وأثره الإيجابى على الاقتصاد.
ولن نعتمد فى بناء اقتصاد مصرعلى ثروات مهما حبانا الله بها فقط، ولكن لن نتوقف عن برامج الترويج للاقتصاد المصرى، وإصلاح وضبط التوازنات على مستوى الاقتصاد الكلى، ولكن نستخدم هذا الكشف لمزيد من البناء والتنمية للموارد وتحسين الحياة اليومية للمواطن.
والأثر المالى والاقتصادى لكشف الغاز الجديد سيوفر للدولة موارد نقد أجنبى من عمليات استيراد الغاز ويعود بأثر إيجابى على الموازنة، خاصة أن الإنتاج يوجه للاستهلاك المحلى.
■ ماذا عن برنامج المساعدات والفجوة التمويلية للاقتصاد المصرى؟
- نحن ندير الاقتصاد المصرى فى المقام الأول بمنظومة إصلاحية تشمل إصلاحاً هيكلياً وتشريعياً ومالياً، ونستعين بالدول الصديقة والشقيقة، لإعانة الاقتصاد المصرى، فيما لا يستطيع تحمله فى الأجل القصير لسد احتياجات فورية قد تظهر، شأن ذلك ما حدث خلال المؤتمر الاقتصادى بشرم الشيخ، أو طلب تسهيلات تمويلية، فيما نحصل عليه من منتجات بترولية تساعدنا على أن نعبر مرحلة مؤقتة من نقص موارد العملات الأجنبية لحين استعادة الثقة الكاملة للاقتصاد المصرى.
وهذا لن يتحقق إلا بمزيد من الإصلاحات الهيكلية، ونحن مصرون على إتمامها بدعم من القيادة السياسية، حتى يعود الاقتصاد إلى مساره الصحيح.
والفجوة التمويلية للاقتصاد المصرى كانت تقدر بنحو 36 مليار دولار، ونحن فى انتظار زيارة بعثة صندوق النقد الدولى لمصر قبل عيد الأضحى المبارك لمراجعة مؤشرات الاقتصاد المصرى فى ضوء تطورات الاقتصاد العالمى مؤخرا.
■ هل هناك نية لتكرار تجربة تمويل قناة السويس وطرح شهادات استثمار لتمويل مشروعات أخرى؟
- مشروع قناة السويس الجديدة لم يكن فقط بمثابة إيجاد تمويل لحفر القناة الجديدة، إنما كان له بعد أهم وهو إحداث نهضة وطنية، ورغم أن نظام التمويل كان تجاريا قصير الأجل، لكنه عابر للأجيال، من خلال تمويل مشروع طويل الأجل ونجاحه ليس بالضرورة أن يتكرر فى المشروعات العادية الأخرى، كالطرق والأنفاق، خاصة أن المشروع كان له طابع تنموى، وبدأنا بالفعل فى حصد النتائج الإيجابية للمشروع كنقطة البداية لجذب الاستثمارات المباشرة فى مشروعات تنمية محور قناة السويس، على مستوى الصناعات اللوجستية والصناعية والتجارية وأثناء زيارة الرئيس لروسيا علمنا برغبة أكبر شركة نفط فى العالم بإنشاء مشروعات خدمية فى منطقة قناة السويس لتموين السفن.
نموذج قناة السويس الجديدة ليس بالضرورة أن يكون متكررا فى مشروعات أخرى بنفس الأداة التمويلية، وبدأنا نرى العائد الاقتصادى للقناة الجديدة فعليا، ومن المبكر الإعلان عنه، وهناك مشروعات تنموية كبرى ستقام على جانبى القناة.
■ هل ستحظى المشروعات فى منطقة محور قناة السويس بحوافز إضافية؟
- المشروعات ستخضع لقانون المناطق الاقتصادية ذات الطبيعة الخاصة المطبقة حاليا دون حوافز إضافية، وتمنح امتيازات قانون ضمانات وحوافز الاستثمار إلى جانب استفادتها من الإدارة الذاتية لهذه المناطق، بما يرفع الكفاءة الاقتصادية ويقضى على الروتين، والبيروقراطية المصرية، ونسعى أن تكون نموذجا لدبى.
■ ما تقييمك للمؤشرات المالية للدولة.. خاصة على جانب عجز الموازنة؟
- المؤشرات المالية طيبة جدا، وهناك انخفاض فى نسبة العجز بنسبة 0.7% ليصل العجز إلى نحو 11.5% من الناتج المحلى الإجمالى خلال العام المالى المنتهى 2014-2015، ولو تم حساب العجز بعد استبعاد المنح الأجنبية الواردة خلال العامين الماضيين نجد تراجعا بنسب تفوق 4% وهو ما لم يحدث من قبل، وهناك معدلات نمو كبيرة فى الإيرادات الضريبية المحققة خلال العام الماضى.
■ ما مدى تأثر الاقتصاد المصرى جراء الأزمة الاقتصادية العالمية؟
- من المبكر جدا قياس الأثر الحقيقى للتقلبات العالمية على الاقتصاد المصرى، ولو نظرنا إلى صندوق النقد الدولى نرى أنه لا يأخد بالتغيرات الآنية فى الأسواق على الاقتصاد العالمى والصينى، لأنها متذبذبة وننتظر بعثة من صندوق النقد قبل عيد الأضحى لإعادة تقييم الاقتصاد، ونتوقع أن يتم تعديل هيكل الموازنة العامة أو يؤجل الأمر إلى البعثة الرئيسية المتوقع قدومها لمصر بداية العام القادم، وربما يتم تعديل هيكل الاقتصاد الكلى بالكامل ربط الموازنة العامة للدولة بميزان المدفوعات والسياسة النقدية والاقتصاد العينى والاقتصاد العالمى.
وأرى أن التقلبات العالمية فى مجملها حتى الوقت الحالى وهو تقدير مبكر فى صالح مصر بحذر شديد، لأنها مازالت قائمة، حيث تخفض تكلفة المنتجات الأولية التى نستوردها من الخارج إلى جانب أن الأزمة قد تخلق من مصر نقطة مضيئة بديلة لجذب الاستثمارات المالية وتترك الأسواق الأخرى، وهو ما ظهر فى الأزمة المالية العالمية عام 2008، وقد يكون الأثر السلبى الوحيد على القطاع السياحى نظرا لانخفاض السياحة الوافدة من البلدان التى تعانى من الأزمة.
■ هل استفادت مصر من تراجع الأسعار العالمية للنفط؟
- على المدى القصير الاقتصاد المصرى مستفيد من تراجع الأسعار، وأدى إلى توفير نحو 40 مليار جنيه خلال العام المالى الماضى، انخفاضا فى فاتورة الدعم، ولكن ذلك لم ينعكس على نسبة العجز، نظرا للظروف المالية لهيئة البترول، وتزايد أحجام الاستهلاك المحلى ومتأخرات الشركاء الأجانب والتى سددت الحكومة منها نحو 3.1 مليار دولار خلال 2014-2015، وتستهدف الحكومة سداد باقى المبالغ فى منتصف 2016.
لكن سعر البترول العالمى ليس هو العنصر الوحيد فى الاستفادة محليا، وهناك اعتبارات مهمة أخرى منها تغير سعر الصرف والكميات المستهلكة.
■ ما الرسائل المباشرة التى ستوجهها الحكومة من خلال مؤتمر اليورومنى داخليا وخارجيا؟
- الحكومة تؤمن بقدرة الاقتصاد على أن يتبوأ مكانه بين الاقتصادات العالمية من خلال استثمارات ضخمة من خلال تحسين آليات إدارة الاقتصاد، كما نعلم حجم التحديات الخارجية والداخلية ولدينا عزيمة أكبرعلى تجاوزها، وتمتلك مصرعزيمة قوية لاستكمال الإصلاحات الاقتصادية لتعظيم مظلة الحماية الاجتماعية لاسيما الصحة والضمان الاجتماعى والتعليم مع تعزيز التحويلات النقدية للفئات الأولى بالرعاية.
■ هل هناك اتجاه لزيادة الحد الأدنى للأجور؟
- لا دراسة أو تفكير فى زيادة الحد الأدنى للأجور، خاصة بعد الزيادة التى تحققت عام 2014 بنحو 60% ليصل إلى 1200 جنيه شهريا، مقابل 700 جنيه فى السابق، لكن لدينا توجها حكوميا لتوجيه الفوائض لخدمات اجتماعية وتعزيز حياة المواطن المصرى، حيث زادت اعتمادات الإسكان الاجتماعى إلى 11 مليار جنيه فى الموازنة، وعلاج غير القادرين إلى 3 مليارات، وهى برامج جديدة تسعى الحكومة لتقديمها وتخدم نطاقا عريضا من الطبقة المتوسطة والأولى بالرعاية، كما ندرس تعزيز اعتمادات برامج التحويلات النقدية المباشرة.