على حلة عينى

سمير فريد الأحد 06-09-2015 21:42

كما قال إيهاب حسن «صفعت شرطية بائعا متجولا فى تونس عام 2010 فاشتعل الشرق الأوسط»، والمقصود محمد بوعزيزى الذى انتحر حرقاً بعد صفعه وامتد الحريق إلى مصر وليبيا واليمن وسوريا، ولم يخمد حتى الآن مع اختلاف الدرجات وتباين الأوضاع. وبعد خمس سنوات شهد مهرجان فينسيا 2015 عرض الفيلم الفرنسى التونسى البلجيكى المدعوم من صندوق سند فى الإمارات «على حلة عينى» إخراج ليلى بوزيد فى برنامج «أيام فينسيا» فى دورته الأربعين، والذى تدور أحداثه فى تونس صيف 2010 قبل شهور من بداية الثورة.

هناك سينما كاملة أنتجت فى هذه السنوات هى «سينما الربيع العربى» من عشرات الأفلام من الإنتاج العربى وغير العربى، أغلبها تسجيلية، وأقلها روائية، وهو أمر طبيعى ومنطقى، فالروائى يحتاج إلى مسافات زمنية للتأمل وصياغة الدراما، وإن كان هذا لا يعنى أن الأفلام التسجيلية تفتقد الدراما، ولكنها تختلف عن دراما التمثيل.

«على حلة عينى» أحدث أفلام سينما الربيع العربى الروائية. ورغم أنه يحمل الجنسية الفرنسية بحكم جنسية الشركة منشأ الإنتاج، وأغلب فنانيه خلف الكاميرا من الفرنسيين، إلا أنه فيلم تونسى خالص من حيث هويته الثقافية. إنه إعلان مولد مخرجة موهوبة فى أول أفلامها الروائية الطويلة. وقد ولدت ليلى بوزيد فى تونس عام 1984، ودرست الأدب الفرنسى فى جامعة «السوربون» فى باريس عام 2003، ثم السينما فى معهد «فيميس» حيث تخرجت عام 2011، وبعد فيلم التخرج القصير أخرجت فيلماً قصيراً آخر بعنوان «زكريا» عام 2013.

ليلى بوزيد من أجيال الشباب الذين قاموا بالثورة، وكانوا ولايزالون يقودون الثورة التى انضمت إليها الأجيال الأخرى من الآباء والأجداد. ولم يكن من الغريب أن يأتى فيلمها الأول الذى كتبته مع مارى- صوفى شامبون، تعبيراً عن جوهر الثورة، والدافع الأكبر لقيام الشباب بها وقيادتها، وهو أن يعيشوا فى حرية.

شجاعة أدبية

امتلكت ليلى بوزيد شجاعة أن تقدم فيلماً غنائياً عن الثورة. ومن هذه الزاوية تذكرنا بالأستاذ يوسف شاهين فى «عودة الابن الضال» عام 1976 الذى يعتبر من كلاسيكيات السينما الغنائية السياسية. كما امتلكت الفنانة شجاعة أن تكون القصة عن فتاة فى الثامنة عشرة انتهت لتوها من دراستها الثانوية، وتريد أن تحترف الغناء، ولكن أسرتها تريد لها دراسة الطب. وهى قصة معتادة فى الأفلام المصرية التى تمثل تراث جمهور السينما السائدة فى تونس، واختيارها يعنى التوجه إلى هذا الجمهور من ناحية، وإدراك أن القصة المعتادة لا تعنى المعالجة الدرامية المعتادة.

الفتاة هى فرح (بيه المظفر) المغنية الأولى فى فريق موسيقى من الشباب يقوده برهان (منتصر العيادى) الذى يتبادل الحب مع فرح، أو هكذا يبدو من أول لقطة فى الفيلم. ولكن الأغانى السياسية التى ألفها غسان عمامى ولحنها خيام اللامى، تؤدى إلى القبض على فرح حيث تتعرض لإهانات بالغة من الشرطى الذى يحقق معها بما فى ذلك التحرش الجنسى. وأثناء التحقيق معها تكتشف فرح أن برهان كان يتعاون مع الشرطة، وهو الذى أبلغ عنها باعتبارها متمردة ضد السلطة. ومع ذلك ترفض أن تقول إنه مؤلف الأغنية التى كانت الدافع المباشر للقبض عليها. ولا يتم الإفراج عن فرح إلا بعد أن تتصل أمها حياة (غالية بن على) بشرطى تعرفه، وعرض نفسها عليه، ولكنه يرفض شفقة أو احتراماً لحب قديم. ويتجلى هنا الإحساس الدرامى القوى للمخرجة، فهذا الشرطى ربما يكون الرجل الوحيد الذى يتصف بالنبل فى كل الفيلم.

حياة وفرح

إننا أمام فيلم نسائى بامتياز عن امرأتين من تونس الأم حياة والابنة فرح، ولا تخفى هنا دلالة اسم كل منهما. الأم التى تعرف جيداً الدولة البوليسية وتريد حماية ابنتها منها، والابنة التى لا تخشى تلك الدولة حباً فى الحياة ورغبة فى الفرح. وهناك ثلاثة مشاهد كبرى تعبر عن العلاقة بينهما، وعن تمكن المخرجة فى صياغة أسلوب واقعى متطور. عندما تقود الأم السيارة بسرعة شديدة وبجوارها ابنتها لتحصل على وعد منها بالكف عن الغناء أو يموتا معاً. وعندما تغلق الابنة باب غرفة نوم أمها لتتمكن من الخروج فى الليل ثم تعود وتطلب الصفح عنها. والمشهد الثالث مشهد النهاية الذى لا ينسى عندما تقترب الأم من روح ابنتها التى خبت بعد تعرضها للسجن، وتنجح فى استعادتها بالحب والأمل. ويكشف هذا الفيلم عن ممثلة كبيرة حقاً هى غالية بن على فى دور الأم الذى أدته ببراعة وامتياز.

هناك نقاط ضعف فنية فى الفيلم (102 دقيقة) أبرزها السيناريو والمونتاج حيث تترهل الدراما ويسقط الإيقاع فى بعض الأحيان وكانت 90 دقيقة تكفى وتزيد. وربما تكون النزعة النسائية الغالبة السبب فى غموض العلاقة بين الأم والأب المستغرق فى عمله فى مكان بعيد، والعلاقة بينه وبين ابنته. كما أن هناك مشاهد مبتسرة لغضب العمال فى مكان عمل الأب، ومشاهد تقليدية رتيبة، خاصة فى بداية الفيلم، وعند الاحتفال بعيد الفطر. ولكن نقاط الضعف الفنية لا تخفى نقاط القوة التى تجعل الفيلم محاولة صادقة للإجابة عن سؤال لماذا كانت الثورة.

samirmfarid@hotmail.com