مصر تستعد للاستحقاق الأخير، سباق الانتخابات البرلمانية بدأ، ماراثون الفوز بمقعد البرلمان سيتصدر الأخبار وسيهيمن على وسائل الإعلام خلال الفترة القادمة، أهمية مجلس النواب المقبل ومدى فائدته لتحقيق مصالح جماهير الناخبين والممارسة الديمقراطية فى البلد ودعم مؤسسات الدولة وتحقيق الاستقرار السياسى ملفات سنقتلها ضجرا.
لست متشائمة ولكننى واقعية، وأعتقد أن الاستعدادات التى تحدث الآن، لا تبشر بنتائج مختلفة من حيث صراع على السلطة ومطالب الأحزاب عما قبل عام 2011، حاول أن تنعش ذاكرتك وتعود «فلاش باك» إلى هذه الفترة.
عقب ثورة يناير ظهر طوفان من الأحزاب والائتلافات التى تلعب فى السياسة على الطريقة القديمة وبنفس أدواتها، كما ظهرت صحف وفضائيات تسعى لركوب حصان الثورة الجامح، لحساب النخبة المالية والسياسية، فى محاولة للسيطرة على الشعب وضمان نسبة أكبر من المكانة والهيمنة و«ربط دماغ» الناس، وسعت النخبة التى تملك ولا تحكم إلى نوع من البلبلة وتضليل الشعب، لضمان عدم توحده وانطلاقه فى مسار رئيسى بعيدا عن مخالبها، وهو ما يعبر عنه المفكر البرازيلى باولو فريرى بتحول الإعلام إلى أداة للقهر، تستخدمه النخبة الفاسدة أو «المصلحجية» من أجل تطويع الجماهير لأهدافها الخاصة، وهو ما شاهدناه ونشاهده بوضوح فى اختراع أزمات وقضايا تشغل الناس رغم أنها مجرد «طنطنة إعلامية» وتم استخدام أدوات ووسائل جديدة على المواطن المصرى، شرحها بالتفصيل أستاذ علم الاتصال الأمريكى هربرت شيللر فى كتابه المهم «مديرو العقول» الذى أثبت فيه أن القائمين على الإعلام يضخون الصور والمعلومات التى تساعدهم على إحكام السيطرة علينا وتوجيه معتقداتنا ومواقفنا، بل سلوكنا أيضا، وهذا التضليل يؤدى إلى حالة من الإغواء ووضع المفاهيم فى مواجهة بعضها البعض بدلاً من المضى فى مسار محدد للمستقبل، هذا التضليل المتعمد يجعلنا ندخل فى متاهات متشعبة، ونخسر تركيزنا وحماسنا فى معارك صغيرة بعيدة عن الأهداف الرئيسية لنا كمجتمع يسعى للارتقاء وتحقيق الحرية والعدالة وتأسيس دولة مدنية تحترم القانون وتحارب الفساد.
المؤسسات الإعلامية بكافة أشكالها لا تقدم لنا إلا ما نعرفه فعلا، بل والأسوأ من ذلك، أنها تقدم لنا ما تريد أن تضخه فى رؤوسنا لتضلنا، وتبعدنا عما نسعى إليه، فأصبح الشعب موجه دون أن يدرى تحت تأثير الصحافة و«زنّ» الفضائيات، وأصبح أهم إنجازات الإعلام هو وضع الشعب فى مواجهة بعضه البعض، والدولة فى مواجهة الطوائف والفئات المختلفة، معارك أثبتت، كما يقول «شيللر»، أن النخبة المتحكمة الجديدة (وهى بالمناسبة أقوى وأخبث وأخطر من النخبة الحاكمة القديمة) «تفبرك» أفكارا وتوجهات لا تتطابق مع حقائق الوجود الاجتماعى، أو حسب تعبيره حرفياً تعمد إلى إنتاج وعى مشوش لا يستطيع أن يستوعب الحياة القائمة..
ليس غريباً أن تجتذب أنشطة التضليل الإعلامى طبقاً لمبادئ السوق أذكى المواهب، وليس بالضرورة أفضلها خلقا، نظرا لأنها تقدم أعلى الحوافز المادية والأدبية، وهكذا ينقلب عقل المجتمع ضد مصالح الجموع ويلعب لحساب مصالحه الفردية، وتتحول الديمقراطية من كونها أسلوب حياة إلى مجرد حلية أو فاترينة أنيقة يباع بسببها الكثير من السلع سيئة الصنع والسمعة. وتتيح الفرصة لأصحاب المصالح و«اللوبيهات» للتحكم من خلف ستار حرية التعبير فى عقل الشعب ووعيه، خاصة أن ثورتى يناير ويونيو أدتا إلى تغير سريع فى تركيبة الطبقات المهيمنة، وصنعتا فراغا يسعى هؤلاء الطامحون للسلطة إلى شغله، وإعادة توزيع الأدوار بين الحكام والمحكومين، بحيث يمكننا أن نرى «متلقى الأوامر» فى زمن سابق هو الذى يصدر الأوامر الآن، كما نجد بعض الخاضعين للتضليل أنفسهم وقد تحولوا إلى ممارسين لهذا التضليل، فهناك أشخاص وفئات تغير موقعها على رقعة الشطرنج فى نوع من الانتهازية الجديدة.
انتبهوا أيها السادة، هناك من يمارس نفس أخطاء وخطايا النظام القديم، لكن بعد أن تم تلوينها بشعارات زائفة عن التغييرومرحلة جديدة فى عمر الوطن...احذروا التضليل الإعلامى الانتخابى.