لا تكن مسلماً

جمال الجمل الثلاثاء 01-09-2015 21:53

لا تحاول أن تكون مسلما، يكفي أن تحاول ما استطعت أن تكون مثل النبي الحبيب عليه أفضل الصلاة والسلام!

هذه ليست عبارتي، لكنها دفعتني للتأمل، والمدهش أنها ليست عبارة شخص آخر، لكنني نسجت على منوال النصيحة التي بنى عليها «وين داير» مشروعه الفكري في علم النفس، ونصائح تحسين الحياة.

«وين داير» كان يعرف أن نصائحه لا تمنح الحياة لأحد، ولا تحفظ حياة أحد، وإذا لم يكن قد عرف ذلك، فلا شك أنه عرفه الآن بعد أن قدم قبل أيام دليلا قويا على أن علمه ونصائحه مجرد وجهة نظر في الحياة، لكنها لا تمنحها ولا تحفظها، فقد مات داير مريضا متألما برغم كل نصائحه التي تحولت إلى إنجيل معاصر لعشرات الملايين في أنحاء العالم.

عجيبة هذه الحياة، وأعجب ما فيها هو الإنسان نفسه، وأنا وأنت وهو وهي وداير من هذه المخلوقات العجيبة، ننصح الآخرين بسهولة، في حين أننا لا نعمل بما ننصح بها، وينصحنا الآخرون بحماس أكبر، وهم كذلك لا يعملون بنصائحهم.. الحياة تبدو في لحظة التأمل كأنها مجموعة متقاطعة من وجهات النظر، كأنها مجرد اقتراحات لتجربة هذا الشىء، وعكسه أيضا.

في كتابه الشهير «ستراه عندما تؤمن به» ينبهك داير أنك عندما تنتقد شخصا ما، أو تصفه، فإنك تكشف عن نفسك أكثر مما تكشف عن الآخر!

داير يعتبر أن الشخص ليس ما يفعله، بل ما يفكر فيه، قد تتصنع في أفعالك، وتدعي وتكذب وتنافق، لكن إذا تأملت أفكارك جيدا ستعرف من أنت، وإذا أردت أن تتغير بشكل ما، فلا تجتهد في تغيير سلوكك أولا، ركز على تغيير أفكارك، وساعتها ستنجح في اكتساب سلوك جديد يتلاءم مع هذه الأفكار، بل إن مشاعرك ليست إلا نتيجة طبيعية لتفكيرك. التفكير هو أساس كل شىء في حياتك.. فالذي يغضبنا من الآخرين في معظم الأحوال، ليس تصرفاتهم هم، بل تصرفاتنا المزعجة التي نرفض الاعتراف بأنها نصرفاتنا، أو التي نحتاج للقيام بها بشدة ونعجز عن ذلك!

لا تعجبني الطريقة التي يتعامل بها «باعة التنمية البشرية» مع الإنسان، صحيح أن هذا الاتجاه له جذور ثقافية قريبة من علم النفس، ومن حكمة الفلاسفة، ومن مفهوم الكارما عند الهندوس، ومن وصايا الأديان أيضا، لكنها انسخلت عن هذا الجذر الحي، والتحقت بمفاهيم التسويق ومغريات الربح والتجارة، بحيث اصبحت الحياة مجرد «مول» ضخم، والإنسان مجرد «زبون» يمسك في يده كتاب ملون يتضمن ارشادات مختصرة لأماكن الخصومات وأفضل طرق الشراء، وخريطة المحال والمطاعم ودورات المياه!

وين داير«مؤلف أمريكي أسطوري عاش طفولة تعيسة في أحد الملاجئ، وتمكن من تحقيق نقلة كبيرة في حياته، حيث صارا أستاذا جامعيا لعلم النفس، وافتتح عيادة شهيرة للعلاج النفسي، وتفرغ لتأليف الكتب في هذا المجال، تزوج أكثر من مرة، وفشل مثل الناس العاديين الذين ينصحهم، ثم انتقل للعيش أخيرا في هاواي حيث مات بسرطان الدم.

في شبابنا كنا نقول إن عبدالناصر لم يكن ناصرياً، فقد كانت حكوماته جبهوية تجمع مختلف التيارات والاتجاهات، وفوجئت أن وين داير يردد نفس المقولة عن المسيح، وينصح المسيحيين ألا يكونوا مسيحيين، بل مثل المسيح، ويقول للبوذيين لا تكونوا بوذيين بل كونوا مثل بوذا.. وهكذا

لم يكن داير يهتم بأولوية العادات والعبادات والسلوك الجمعي، بل يذهب إلى حقيقة المعتقد، فالمسيح كان يدعو للحب والسلام، فهل يفعل المسيحيون ذلك؟، أم أصبحوا الآن يقتلون ويحاربون باسم الدفاع عن المسيحية؟

الأمر أوضح بالنسبة للإسلام.. انظر إلى حالة داعش والتنظيمات المتطرفة، قد يخدعوننا بأنهم يدافعون عن الدين، ويقولون إن الإسلام يوصي بذلك، لكنهم لا يشبهون الإسلام، بل فكرتهم هم عن الإسلام، لأن الفكرة يمكن للبعض تأويلها وتلوينها حسب مزاجه وميوله، أما الرسول فلا يمكن تلوينه وتأويله، لذلك يخشى الداعشي أن يقتدي بالرسول الكريم، ولا يسأل نفسه هل كان محمد يفعل ما يفعله الداعشي الآن باسم الإسلام؟

على كل حال، هذه المناوشات الفكرية ليست نصيحة، وليست دعوة أحرضك بها على سلوك ما، لكنها مجرد اختبار لأفكاري عن نفسي وعن العالم، وبالمرة حاولت أن أقتدي بنبي الرحمة وأدعو لهذا الرجل الذي لا أعرفه بالرحمة

الله يرحمك يا وين داير.. لم تكن مسيحيا، لكنك حاولت أن تكون شبه المسيح.

وردة على قبر مفتوح:

* عندما ترقص، فأنت لا تفكر أن خطواتك ستذهب بك إلى مشوار بعيد، فقط أنت تستمتع باللحظة والخطوة.. أعتقد أن هذا ما يجب أن نفعله في الحياة

(وين داير)

tamahi@hotmail.com