ليس صحيحاً أن تأتى متأخراً خير من ألا تأتى أبداً، وليس كل تأخيرة فيها خيرة، التأخير فى كل مرة يورثنا يأساً وقنوطاً. رئيس الوزراء جاء متأخراً جدا فى قضية «صفر مريم»، أخيرا ومشكورا اتصل بمريم، ودعاها للقاء، وأعلن مساندته للطالبة للتوثق من عدم التلاعب فى أوراق إجاباتها.
ما كان من الأول يا محلب، اتصال عقب حادثة الصفر كان كافياً لإنقاذ مستقبل الفتاة، ووضع قضيتها فى أيد أمينة، وجهة جد مسؤولة، ولوأد نار الفتنة فى مهدها، لو كان محلب فعلها باكراً لمحا الصفر السياسى الذى مُنيت به حكومته فى امتحان الثقة.
محلب يعالج ما استعصى على العلاج فعلياً، أعلم أن أى نتيجة غير التى يطلبها الرأى العام غير مقبولة، إلا أن يتحول الصفر إلى 100 فى 100، وعلى رئيس الوزراء أن يتجهز لهذه النتيجة من الآن، السؤال: ماذا يقدم محلب لمريم غير الطبطبة؟!
إن شاء الله تنجح مريم، ولكن تعالوا إلى كارثة فقدان الثقة فى الحكومة المصرية، كل تصرف تأتى به الحكومة هو محل شك وتشكيك، قبل أن يجف مداد القلم يجرى ضرب القرارات بأساليب وأسباب ومعلومات تفرغها من محتواها (قانون الخدمة المدنية نموذج ومثال)، قبل أن يكتمل المشروع تنهال معاول الهدم عاتية تضرب قواعده التى تسنده تحيله هشيماً تذروه الرياح (قناة السويس نموذج ومثال).
موجة شك عاتية تضرب سفينة الحكومة التى تبحر بصعوبة فى بحر متلاطم الأمواج، بلغ الشك مبلغه فى كل ما يصدر من تقارير عن الأجهزة المعاونة لرئيس الحكومة، تقارير الجهاز المركزى والرقابة الإدارية والنيابة الإدارية، حتى تقرير الطب الشرعى لم يسلم من الشك الذى تحول إلى رفض، بل صار عنواناً للشك والريبة.
لم يعد هناك يقين، أخطر ما يواجه حكومة محلب بل ونظام الرئيس السيسى إجمالاً عمليات التشكيك الممنهجة، الشك عنوان عريض، قضية مريم نموذج فج، ومع نقص المعلومات، وتضارب التصريحات، وتأخر المعالجة السياسية، واختباء وزير التعليم من نفسه، وموقفه الرمادى، وعجزه عن مواجهة تبعات القضية على أرضية تربوية صلبة، مع مس طائفى مقيت، حوّل قضية طالبة إلى معضلة وطنية تستأهل تدخل رئيس الوزراء.
التأخير غير المبرر حسم القضية، مريم ناجحة، بل ومتفوقة، وسابق نتائجها تبرهن على ذلك، علام سيبرهن رئيس الوزراء؟ أخشى أن يطالب المزايدون من بعدها بتدخل الرئيس، باعتبار أن الشك سيمتد حتماً إلى قرار رئيس الوزراء!!
تخيل مجرد التخيل بعد لقاء محلب بمريم جاءت النتيجة عكسية، بما لا تشتهى الأنفس، لن يسلم محلب من الأذى، وستتحول القضية إلى أم القضايا، أخشى أن محلب سيكون مضطراً إلى تسوية القضية لتهدئة الرأى العام ولو على حساب الحقيقة فى أوراق الإجابة، وهنا يلزم محلب تشكيل لجنة مستقلة يبتعد عنها وزراؤه بمسافة كافية تحت عناية شخصية وطنية من الثقات، وخبراء مستقلين بالكلية، ومحامى الفتاة مراقباً، يفصلون فى القضية.
طبطبة محلب على ظهر مريم لن تحل القضية، قضية الثقة فى الحكومة، قضية أخطر، وعلى محلب أن يبحث أسباب افتقاد وزارته للثقة فى أعمالها وما يصدر عنها، وباعتباره مصدر الثقة عليه أن يحل هذه الإشكالية التى تضطره يوميا إلى تطييب الخواطر، طيبة محلب لا تكفى لإشاعة جو الثقة، تشيعها الشفافية والمبادأة، وإلا سيتفرغ للطبطبة حتى على ظهر أمل كلونى.