ما يجرى اليوم على الساحة السياسية فى واشنطن بخصوص الاتفاق الذى أبرمته القوى الكبرى مع إيران فيه الكثير مما هو معتاد فى العاصمة الأمريكية، وفيه أيضا ما هو جديد. فمن المقرر أن يتخذ الكونجرس قراره بشأن الموافقة أو الاعتراض على الاتفاق فى غضون الأسبوعين الأولين من الشهر الجارى.
ورغم الضجة الواسعة حول ما يجرى بالكونجرس بشأن هذا الموضوع، فإن دور المؤسسة التشريعية ليس هنا الدور الاعتيادى فى التصديق على المعاهدات، وإنما هو دور إصدار قرار ملزم بالموافقة على الاتفاق أو رفضه، والفارق بين الاثنين كبير. فالاتفاق لم يقدم للكونجرس باعتباره معاهدة تستوجب دستوريا التصديق عليها من جانب مجلس الشيوخ ولا يحق للرئيس بمقتضاها التدخل بعد أن يقول المجلس كلمته.
فما حدث هو أن الكونجرس كان قد أصدر قانونا فى مايو الماضى يعطيه الحق فى إصدار قرار مشترك من مجلسيه بخصوص الموافقة على أى اتفاق مع إيران أو رفضه، وهو نوع من القرارات يكون ملزما للدولة الأمريكية دوليا ولكنه يخضع لتوقيع الرئيس أو رفضه. وهذا الفارق الجوهرى هو الأساس لطبيعة المعركة الجارية فى واشنطن اليوم. فلأن الرئيس له حق التوقيع أو استخدام الفيتو فإن المعركة الدائرة الآن بين الكونجرس ذى الأغلبية من الجمهوريين الذين يرفضون الاتفاق وبين الرئيس الديمقراطى يدور حول ما إذا كان الكونجرس الجمهورى يمتلك فى كل من المجلسين أغلبية الثلثين اللازمة لإلغاء الفيتو الرئاسى.
فالجمهوريون ينوون إصدار القرار الملزم برفض الاتفاق وهو ما صار مؤكدا استخدام أوباما للفيتو ضده. لكن الدستور الأمريكى يعطى للكونجرس اليد العليا إذا ما كان يمتلك أغلبية الثلثين (67%) فى كل مجلس لإلغاء الفيتو الرئاسى وهى نسبة صعبة التحقق. لذلك بدأت الأقلية الديمقراطية مؤخرا تسعى لإجراء تشريعى آخر يمنع التصويت على القرار أصلا، وهو ما تملك فعله الأقلية بمجلس الشيوخ عبر أداة تشريعية تستوجب لإلغائها توفر ستين صوتا، وهو ما لا يملكه الجمهوريون بالضرورة، حيث يحتاجون فيه لأصوات ستة من أعضاء حزب الرئيس لتحقيقه، لم يتوفر لهم منها حتى كتابة السطور سوى صوتين.
وما يجرى فى واشنطن اليوم، من حيث حملات الضغط المحموم سواء التى تدعم الاتفاق أو ترفضه، يمثل أمرا اعتياديا لا جديد فيه، بما فى ذلك الدور الذى تلعبه الإدارة بل الرئيس شخصيا فى الضغط على الكونجرس.
وهناك حملة ضخمة ينظمها المعادون للاتفاق من «بعض» أنصار إسرائيل للضغط على أعضاء الكونجرس لدفعهم للتصويت ضده.
لكن الجديد هذه المرة هو أن اللحظة الحالية تمثل واحدة من الحالات النادرة التى توجد بها تعددية علنية داخل الجماعة اليهودية الأمريكية بخصوص أمر تهتم به إسرائيل، وانقسامات بين المنظمات المناصرة لإسرائيل. فتعبير «أنصار إسرائيل» لا يصلح هنا فى وصف أى من الفريقين من تلك المنظمات. فهناك منظمات مناصرة لإسرائيل تقف بوضوح مع الاتفاق وغيرها تقف بوضوح ضده. فالوصف الأكثر دقة هو «أنصار نتنياهو».
فالكثير من أنصار نتنياهو فى رفض الاتفاق ليسوا من اليهود وإنما من المحافظين الجدد أو من اليمين الأصولى المسيحى، بينما الكثير من اليهود الأمريكيين المناصرين لإسرائيل يعارضون موقف نتنياهو ويؤيدون الاتفاق. ورغم أن أنصار نتنياهو يشنون حملة إعلامية ودعائية ضخمة تتكلف ملايين الدولارات، إلا أن عددا لا بأس به من أعضاء الكونجرس من اليهود صرحوا علنا بدعم الاتفاق. والأيام القليلة القادمة ستحدد الثابت والمتغير من كل ذلك على المدى الطويل نسبيا.