الرباط - وفاء صندي:
في سياق خاص يميزه الدستور الجديد للمملكة المغربية، ويميزه مضي قرابة الأربع سنوات على تعيين حكومة عبدالإله بنكيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، الذي فاز بنسبة مريحة في الاستحقاقات التشريعية لـ 25 نوفمبر 2011، تأتي الانتخابات الجماعية والجهوية المزمع إجراؤها في 4 سبتمبر الجاري، وهي الانتخابات التي ستمكن من استكمال البناء المؤسساتي والديمقراطي الذي انخرط فيه المغرب بناء على أحكام ومقتضيات دستور 2011، وستمكن أيضا من تقوية المسلسل الإصلاحي بالمغرب ونقل عدد من توجهات الوثيقة الدستورية إلى أرض الواقع.
واستطلعت «المصري اليوم» أراء سياسيين وخبراء مغاربة، الذين اعتبروا هذه الانتخابات فرصة لتجديد النخب، وتوقعوا صويتا «عقابيا» لحزب عبدالإله بنكيران.
عبدالواحد الراضي، رئيس البرلمان المغربي الأسبق، قال في تصريح خاص لـ«لمصري اليوم»، إن الانتخابات القادمة هي انتخابات عادية إذا ما اعتبرنا أن تجديد المجالس المحلية كان يجب أن يتم مباشرة بعد دستور 2011، لكن أهم ما فيها أنها ستفرز التوجه العام للمواطنين في مرحلة ما بعد الدستور الجديد وما بعد انتخابات 25 نوفمبر 2011، بشرط أن تعبر فعلا عن مواقفهم.
وأضاف الراضي أن هذه الانتخابات تشكل فرصة لتجديد النخب المحلية بعدما وصل عدد المرشحين الجدد 70%، مما سيطرح ترتيبا جديدا للأحزاب، لاسيما أنه في إطار الجهوية (المحلية) الموسعة تكون كل جهة تحتاج إلى أطر وكفاءات عند المستوى، نظرا لما يخول لها من سلطة واسعة وميزانية خاصة تستوجب حسن تسيير وتدبير الجهة. وختم الوزير السابق بأن هذا هو الامتحان الحقيقي الذي نتمنى أن يجتازه المغرب بنجاح.
وفي ذات السياق، أكد عادل تشيكيطو، النائب البرلماني عن حزب الاستقلال، أن الانتخابات الجهوية والمحلية المقبلة هي واحدة من التجارب الديمقراطية التي تندرج في سياق نهج المغرب الرامي إلى ترسيخ اللامركزية واللاتمركز، وتعزيز قدرات المدن والجهات المغربية في التنمية.
وأضاف أن هذه الانتخابات من شأنها أن تشكل امتحانا لكل الفرقاء السياسيين. أولا، من ناحية التفعيل الضمني للدستور الجديد. ثانيا، باعتبارها مؤطرة بقوانين انتخابية جديدة الغرض منها وضع حد لكل أشكال الفساد الانتخابي وترسيخ الديمقراطية المحلية والقفز بمناطق تعيش الفقر والكساد إلى مجالات التنمية. ثالثا، هي انتخابات تعد محطة مفصلية بالنسبة للعديد من الفرقاء السياسيين بالنظر إلى حدة الصراع القائم بين الأغلبية، التي يقودها حزب العدالة والتنمية والمعارضة التي تفوقت خلال الانتخابات المهنية الأخيرة وكذا انتخابات الغرف.
فيما أكد تشيكيطو أن التخوف القائم لدى الفاعل السياسي هو أن تساهم بعض مظاهر الفساد الانتخابي في العزوف عن المشاركة في استحقاق 4 سبتمبر الجاري، وأن تتورط الحكومة في تزوير محتمل لنتائج الانتخابات، وأن تفشل في إدارة العملية الانتخابية كما فشلت في إدارة الانتخابات السابقة وتلك هي الطامة الكبرى، لأن أي فشل ستحققه الانتخابات القادمة سيرهن مستقبل المغرب وسيقبر مشروع الجهوية ذو الأبعاد الاستراتيجية والتنموية.
فيما اعتبر الدكتور عبدالرحيم المنار السليمي رئيس المركز المغاربي للدراسات الأمنية وتحليل السياسات بالرباط إن درجة التسيس لدى المغاربة في ارتفاع بسبب الشعبوية التي لجأت إليها عدد من الهيئات سواء كانت دعوية أو نقابية أو سياسية مما لفت نظر المغاربة إلى السياسة أكثر، مشيرا إلى إمكانية لجوء الناخبين إلى التصويت العقابي في الانتخابات المقبلة بعد أن كان التصويت في 2011 احتجاجيا، فيما وضع أحزاب الأصالة والمعاصرة والاستقلال والتجمع الوطني للأحرار، في مقدمة الأحزاب التي ستفوز بهذه الاستحقاقات كأبرز سيناريو محتمل.
وقد اعتبر السليمي أن توجه الدولة إلى منح السلطات والموارد للمجالس الجهوية (المحلية)، يجعل هذه الأخيرة بمثابة حكومة مصغرة، وهو ما يبرر التنافس القوي والنزول الكبير لعدد من وزراء الحكومة بكامل ثقلهم في هذه الانتخابات داخل الحملات الانتخابية في عدد من المدن.
بينما أكد ذات المصدر على اهتمام العالم بتجربة الإسلاميين في المغرب ومراقبته كيف سيكون وضع العدالة والتنمية في المغرب، حيث يوجد قلق من سيناريو العودة القوية أو السقوط القوي أو البقاء في التقدم نفسه، خاصة بعد سقوط الإخوان المسلمين في مصر وتعثر التجربة السياسية في تركيا وما تعيشه تجربة حزب النهضة في تونس من مشاكل.
وعن آليات مراقبة الانتخابات القادمة، أشار محمد الصبار الأمين العام للمجلس الوطني لحقوق الإنسان أن المجلس يتولى عملية المراقبة، ويترأس لجنة الاعتماد التي منحت، عقب دراسة الطلبات التي توصلت بها، الاعتماد لـ41 هيئة وطنية ودولية لملاحظة الاستحقاقات الانتخابية المقبلة، وهي تتوزع على 34 جمعية وطنية و6 منظمات دولية تشمل الاتحاد الأوروبي ومجلس أوروبا وبعض السفارات الأوروبية في المغرب بالإضافة إلى المجلس الوطني لحقوق الإنسان.
وأكد الصبار أن اللجنة الخاصة لاعتماد ملاحظي الانتخابات ستعبئ أكثر من 4000 ملاحظ، منهم 76 ملاحظا دوليا سيقومون (على مستوى الحملة والاقتراع) بملاحظة انتخاب أعضاء مجالس الجهات والجماعات ومجالس العمالات والأقاليم ومجلس المستشارين، وكلهم يتمتعون بروح الحياد في القيام بعملية الملاحظة بدأ من الحملة الانتخابية مرورا بكل العمليات الانتخابية ووصولا إلى إعلان نتائج التصويت.
وعن الخروقات التي تم تسجيلها إلى الآن، فقد قامت مصالح أمنية يوم الأحد 23 أغسطس الماضي، بمنع نشطاء حزب النهج الديمقراطي من توزيع منشورات تدعو إلى مقاطعة الانتخابات المقبلة. كما تم مصادرة البيانات التي كان يتم توزيعها، إلى جانب توقيف أربعة أعضاء من الحزب بعد الاستماع إليهم وحجز منشورات مقاطعة الانتخابات قبل أن يتم إطلاق سراحهم، بعدما تم الاستماع إليهم وتوقيع محضر وحجز المنشورات التي كانت بحوزتهم.
يذكر أن الانتخابات المحلية المقرر إجراؤها الجمعة 4 سبتمبر الجاري، تتميز بتقدم عدد مهم من المترشحين لأول مرة لهذه الاستحقاقات، حيث بلغت نسبة المترشحين الجدد المسجلة على الصعيد الوطني 70 %.
فيما وصل عدد الترشيحات للانتخابات الجماعية 130 ألف و925 ترشيحا يتنافس هؤلاء المرشحين على 31.503 مقعد بمعدل 4.15 مرشح لكل مقعد. بينما وصل عدد الترشيحات برسم الانتخابات الجهوية إلى 7588 ترشيحا، يتم التنافس فيها على 678 مقعدا بين 7588 مرشحا.