«شباب الهجرة» في غزة: «تأشيرة الموت» أهون من الغربة داخل الوطن

كتب: إسلام الأسطل الإثنين 31-08-2015 22:17

«الغربة مرة، ولكن الأشد مرارة أن تعيش غريبا في وطنك، لا تملك عملا ولا يوجد لديك أي أمل بالمستقبل»، هذه هي الكلمات التي ودع بها طارق محمود قطاع غزة هربا من فقرها وضعفها وعدم قدرتها على استيعاب أبنائها ليأخذ طريقه لـ«تأشيرة الموت والمعاناة»، سواء عبر الهجرة الشرعية أو غير الشرعية.

ووفق وصفه، طارق تخرج منذ ستة سنوات، عمل في كل ما يمكن تصوره، أو لا يمكن، عامل في مطعم، وعلى بسطة خضار، وفي البناء والطوبار، لكنه أبدا لم يتمكن من العمل بشهادته التي أمضىأربع سنوات من عمره يحلم بيوم امتلاكها، ظنا منه أنها ستفتح له الأبواب المغلقة، وستمكنه من تعويض والديه عن تعبهم سنوات طويلة في تربيته والإنفاق عليه وإخوته، 28 عاما أمضاها في غزة التي لم يعد نادما على فراقها ولا رغبة لديه في العودة إليها إلا زائرا لذويه.

أما غزة نفسها فلم يعد لديه أي شوق أو حب لها «يقول للمصري اليوم: «فقدت كل مشاعر الألفة والمحبة لها، اشعر أنني غريب عنها، قررتأخيرا السفر إلى السويد بعد أن عقدت قراني على إحدى قريباتي ممن يعيشن هناك، الحلم بالهجرة لم يكن ما يجول في خاطري طارق قبل سنوات، ولكنبعد أن ضاقت السبل ووجدت نفسي يسير في طريق مظلم لا بصيص نور فيه قررت الرحيل».

طارق ليس الوحيد الذي قرر الهرب من الفقر والبطالة، هنالك الكثيرون من الشباب فضلوا الهجرة بعيدا ،أملا في أن يتمكنوا من تحقيق أحلامهم وطموحاتهم التي تكسرت على صخور واقع غزة، نعيم الأغا، شاب كان يعمل سائق أجرة في غزة متزوج ولديه طفل وطفلة قرر الهجرة للسويد قبل ما يقارب 7 سنوات، بحثا عن عمل وحياة أفضل، ترك الزوجة والأبناء على أملأن يلحقوا به بعد أن يرتب أموره، واليوم وبعد أربع سنوات كاملة، لا زال هو هناك يعمل ويرسل المال وزوجته وأبناؤه يعيشون على حلم بأنهم قد يلحقوا به يوما ما.

ولا زال الأمل يراود زوجته جيهان الأغا بأن تلحق بزوجها، ولا تبدو نادمة على أنها من دفعت زوجها نحو الخروج من غزة التي تصفها بالسجن الذي لا يتوفر بداخله أدنى مقومات الحياة، وتقول جيهان لـ«المصري اليوم» :-وهي خريجة تربية فنية منذ عشر سنوات- إنها تحلم بيوم خروجها الأبدي من غزة لتنطلق وأسرتها الصغيرة في عالم يحترم الإنسان ويقدره، يوفر له حياة آمنة وكريمة وتتساءل بسخرية ما الذي يربطنا بها؟؟ لا أمن ولا أمان، ولا عمل ولا مال، فقر واضطهاد وقهر وحرمان.. لن أبكي يوما على فراقها.. هكذا أنهت .

وبنبرة تشوبها السخرية قالت أحلام موسى (28 عاما)، لـ«المصري اليوم»: «أفكر جديا بالهجرة، ولم اترك بابا إلا وطرقته في محاولتي للسفر خارج الوطن، إلى أي دولة يمكن فيها احترام إنسانيتنا والحفاظ على حقوقنا المنتهكة في بلادنا.

وتؤكد احلام أن هذا ليس تفكيرها وحدها وإنما تفكير الكثير من صديقاتها اللواتي فقدن الأمل في خلق كيان مستقل لهن .؟ وتضيف: «بحثنا عن الحرية فلم نجدها، وصودرت باسم الحفاظ على الأوطان كل حقوقنا!!

فيما ينتظر رامي حمدان 25 عاما بفارغ الصبر أن يحصل على تأشيرة سفر لأحدى دول الخليج والحصول على عمل من خلال احد الأقارب هناك بعد أن ضاقت عليه غزة بما رحبت، رامي الأخ الثامن لأخوة يعيشون مع والديهم في منزل مكون من غرفتين صغيرتين، وفقر مدقع يعصف بأسرتهم، يتساءل بلغة العاجز: «شو بدي استنى ومين اللي بدو يفكر فينا، ويضيف :» يجب أن اترك المنزل في اقرب وقت؛ لان المكان ضاق بنا، ولم يعد يتسع؛ لذا لا أجد مفرا سوى التشبث بحلم الهجرة والبحث عن الذات المفقودة، وأضاف: «الوظائف في غزة أصبحت مقصورة على فئة بعينها ولا بارقة أمل تلوح في الأفق لتغيير الأحوال بما يشجعنا على البقاء في الوطن».

وتعرضت عدة قوارب تقل مهاجرين فلسطينيين وعرب إلى الغرق مؤخراً، لدى سعيها لنقلهم إلى دول أوروبا، ما تسبب بسقوط مئات الضحايا بينها عائلات بأكملها، وفق مؤسسات حقوقية.

ويؤكد الجهاز المركزي للإحصاء وفقا لمسح الهجرة الذي أجراه في العام 2011 أن 13.3% من الأفراد بعمر( 15- 59) يرغبون بالهجرة للخارج، ووفقا للمسح فإن الأسباب الرئيسية للرغبة في الهجرة كانت تتعلق بتحسين الظروف المعيشية وعدم توفر العمل المناسب في الأراضي الفلسطينية، حيث بلغت نسبة الراغبين في الهجرة لتحسين الظروف المعيشية 39.3% فيما بلغت نسبة الرغبة بالهجرة لانعدام الأمن 13.8% في غزة، في حين كانت النسبة في الضفة الغربية لنفس السبب 5.6%.

وكما كل شيء في غزة يتسم بالضياع في زمن تيه البوصلة الفلسطينية، يجد الشباب الغزيون أنفسهم تائهين غارقين في الكثير من المتناقضات، يراودهم حلم وحيد بالهجرة والإبحار بعيدا عن واقع يرفضونه حيث لا وجود أو كيان لهم فيه.