جوده صلى الله عليه وسلم

أيمن الجندي الأحد 30-08-2015 21:29

مقال اليوم من الرقائق. حسنا أننا كما نحفز عقولنا على التفكير فإننا نرقق قلوبنا بالخصال الطيبة. ولقد تخيرت لكم هذه الكلمات العطرة من كتاب «خاتم النبيين» للشيخ محمد أبى زهرة:

«كان النبى جوادا يعطى ما فى يده ولو كان فى حاجة إليه، فهو الذى علّم المؤمنين أن يؤثروا على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة».

ولقد ذكر ابن عباس فقال: «كان أجود الناس بالخير، وأجود ما يكون فى شهر رمضان، وكان إذا لقيه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة».

وقد كان الجود خلقه قبل البعث، كما استمر من بعد البعث، ولقد وصفته خديجة: «إنك لتحمل الكلّ وتكسب المعدوم».

يقول الشيخ أبوزهرة إن جود النبى محمد عليه السلام لم يكن جود من يُعرض عن المال فلا يطلبه، ولكنه كان جود من يطلب المال من أسبابه الحلال الطيبة، ليمر على يده الطاهرة، مرورا ثم يصل منها إلى الضعفاء واليتامى والأرامل والمساكين.

وما كان يرد طالب حاجة قط، حتى كان يبلغ به الجود أن يجود بالموجود كله. جاءه رجل يسأله حاجة، فقال: «ما عندى شىء ولكن ابتعْ علىّ فإذا جاءنا شىء قضيناه». فأشفق عليه عمر فقال للرسول: «ما كلفك الله تعالى ما لا تقدر عليه». فكره النبى ذلك من صاحبه ووزيره الفاروق، لأنه لا يريد أن يحول أحد بينه وبين سجيته التى فطره الله عليها وجعلته فوق الكرماء والأجواد.

ولقد لاحظ ذلك أحد الأنصار، فقال: «يا رسول الله أنفق ولا تخش من ذى العرش إقلالا». فتبسم رسول الله بعد إذ كره، وعُرف البشر فى وجهه، وقال: «بهذا أُمرت».

وقال عليه السلام: «من ترك مالا فلورثته. ومن ترك عيالا فإلىّ وعلىّ». وما هذا بغريب على من يخلع ثيابه لمن يطلبها. واقرأوا معى هذه الحكاية العجيبة:

كانت مع الرسول عشرة دراهم. اشترى قميصا بأربعة دراهم فخرج وهى عليه، فإذا برجل من الأنصار يقول: «يا رسول الله اكسنى قميصا، كساك الله من ثياب الجنة». فنزع القميص فكساه إياه. فعاد الرسول فاشترى قميصا آخر بأربعة دراهم، وبقى معه من العشرة درهمان. فإذا بجارية فى الطريق تبكى، فقال: «ما يبكيك؟». فقالت: «يا رسول الله دفع إلىّ أهلى درهمين أشترى بهما دقيقا فهلكا»، أى أضاعت الجارية الدرهمين. فدفع إليها رسول الله الدرهمين الباقيين ثم مضى، فإذا هى ما زالت تبكى، فدعاها، فقال لها: «ما يبكيك وقد أخذت الدرهمين؟». قالت: «أخاف أن يضربونى». فمشى معها إلى أهلها، فسلّم فعرفوا صوته. ثم قالوا: «ما الذى جاء بك بأبينا وأمنا؟». فقال: «أشفقت هذه الجارية أن تضربوها». فقال صاحبها: «هى حرة لوجه الله تعالى لممشاك معها». فبشرهم رسول الله بالخير والجنة.

ومضى الرسول يتعجب قائلا: «لقد بارك الله تعالى فى العشرة دراهم: كسا الله نبيه قميصا ورجلا من الأنصار قميصا وأعتق الله منها رقبة، وأحمد الله الذى رزقنا بقدرته».

.....................

بهذه الحكاية المؤثرة أختم المقال. فيا له من نبى كريم. وصدق الله العظيم إذ قال: «بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤوفٌ رَّحِيمٌ». وقال عز من قائل: «فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ». وقال سبحانه: «وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ».

فاللهم ارزقنا جودا كجود النبى. ونجنا من شح أنفسنا وتهالكنا على الدنيا برغم أننا مفارقوها لا محالة.

elguindy62@hotmail.com