لم يكن تصاعد الحركة الصهيونية ثم قيام إسرائيل عام 1948 كارثة على العرب وحدهم، ولكنه كان أيضا كارثة على اليهود الرافضين للمشروع الصهيونى، المتناثرين على امتداد العالم العربى بأكمله، وبوجه خاص مصر التى عاشوا فيها معززين مكرمين طوال تاريخها العربى الإسلامى باستثناء فترات عارضة لعل من أبرزها الحقبة الأخيرة من حكم الخليفة الفاطمى الحاكم بأمرالله التى اتسمت بالتمييز الجائر ليس ضد اليهود وحدهم، ولكن ضد شرائح أخرى كثيرة.
وفيما عدا تلك الفترات عاش اليهود المصريون فى وئام شديد مع جيرانهم المسلمين والمسيحيين حيث كان من بينهم الأطباء المشهورون والمحامون النابغون والتجار الناجحون والفنانون المحبوبون (من منا مثلا لا يحب داود حسنى أو راقية إبراهيم أو ليلى مراد؟)...لكن نمو الحركة الصهيونية وتدفق المهاجرين اليهود إلى أرض فلسطين وبدأهم فى تكوين مستوطنات، ثم قيامهم بإنشاء ميليشيات مسلحة مثل البالماخ والهاجاناه، وقيام بعض هذه الميليشيات بارتكاب أعمال إرهابية بالغة الوحشية والفظاعة (تفوق فى فظاعتها ما تقوم به حاليا جماعة داعش!)، لترويع الفلسطينيين وإرغامهم على ترك أراضيهم والنزوح عنها، ترتب على ذلك كله أن بدأت المشاعر الشعبية فى مصر تتغير نحو اليهود شركاء الوطن، خاصة بعد أن تبين أن من بينهم كثيرين يؤيدون الفكرة الصهيونية التى تستهدف إنشاء دولة مؤسسة على الديانة لا على المواطنة، وهو ما أتاح فى المقابل لجماعة الإخوان المسلمين أن تجد لنفسها للمرة الأولى فى تاريخها حجة سياسية، فما دامت الدولة يمكن تأسيها بناء على الديانة وليس المواطنة (بدليل قيام إسرائيل)، فإن الأجدر بالتبنى فى هذه المنطقة من العالم هو مشروع الدولة الإسلامية!!.
كانت المشاعر الشعبية نحو اليهود تتبدل فى مجملها نحو مزيد من الجفوة بفعل تصاعد الأحداث المتعاقبة؛ حيث وصل التبدل إلى ذروة من ذراه بعد نكبة 1948 ثم وصل إلى ذروة أخرى مع فضيحة لافون عام 1954، ومع كل ذروة كانت موجات متعاقبة من اليهود تلجأ للنزوح إلى خارج البلاد... تلك كلها تفاصيل لم تشر إليها لوسيت لينيادو وهى تروى ذكريات طفولتها الجميلة فى مصر مع أبيها ليون لنيادو ذى البدلة البيضاء الشركسكين والذى كان يصطحبها فى طفولتها إلى البارات التى كان يسهر فيها وإلى صالات القمار التى يجرب فيها حظه لأنه كان يستبشر خيرا بوجودها بالقرب منه!!.. ولقد ظل ليون لنيادو رافضا تماما فكرة الهجرة إلى إسرائيل أو إلى أى مكان آخر غير مصر التى كان يحبها من أعماقه، وفى المقابل كان أفراد أسرته يحبذون الهجرة، وبوجه خاص ابنته المتمردة سوزيت خريجة الليسيه والتى كانت دائمة الشجار معه والاصطدام به لأنه يتمسك بمصريته وعروبته! ويرفض الهجرة إلى أى مجتمع من مجتمعات الحرية وعلى رأسها إسرائيل!! ثم حانت اللحظة التى اضطر فيها لأن يتخذ قرارا بترك مصر حينما ألقى القبض على سوزيت وأودعت ليلة كاملة فى الحجز مع العاهرات وربات السوابق بحجة الاشتباه فى أنها تقوم بالتجسس.. إن المؤلفة هنا تلقى اللوم فى هذا على النظام العسكرى الذى كان يحكم مصر والذى تعمد تشويه سمعة أسرتها، إذ إنه ألقى القبض على سوزيت وهى تتناول البيتزا مع صديقتها فى أحد المطاعم طبقا لأقوالها.. لكن أخاها سبزار أسرّ للأسرة بأنها كانت فى غرفة فى أحد الفنادق وفى صحبتها أجنبى؛ مما أثار شكوك إدارة الفندق فأبلغت عنها الشرطة!