لا تمنعوا فيلم «محمد رسول الله»

د. ياسر عبد العزيز السبت 29-08-2015 21:24

لقد تضاعف عدد المسيحيين أربع مرات خلال المائة عام المنصرمة على المستوى العالمى، ليرتفع من 660 مليوناً إلى 2.2 مليار نسمة، وهو الرقم الذى يمكّن المسيحية من الحفاظ على موقعها كـ «أكبر ديانة فى العالم» من حيث عدد الأتباع.

وبموازاة هذه الزيادة الكبيرة والمطردة فى أعداد المسيحيين، تم إنتاج نحو 395 فيلماً عن السيد المسيح، عليه السلام، فى الفترة نفسها؛ وهى أفلام تراوحت بين «الدعوى التمجيدى» و«النقدى التجريحى»، وكلها استعانت بممثلين ليؤدوا دور السيد المسيح، وغيره من الشخصيات ذات القداسة لدى المتدينين المسيحيين.

يسود الاعتقاد على نطاق واسع بأن أول فيلم جسد شخصية السيد المسيح تم إنتاجه عام 1904، بعنوان «حياة وآلام يسوع»، وأن أحد أهم هذه الأفلام هو فيلم «حياة المسيح»، الذى تم إنتاجه عام 1908، وأن واحداً من أكثر الأفلام إساءة لنبى المسيحية كان «الإغواء الأخير للمسيح»، الذى أخرجه «مارتن سكورسيزى» عام 1988، وفى المقابل، فإن أحد أكثر تلك الأفلام تمتعاً بالسمعة الفنية والتقنية هو فيلم «آلام المسيح»، من إخراج «ميل جيبسون» عام 2004.

لا يقتصر الأمر فقط على الأفلام التى تعرض حياة نبى المسيحية، لكنها تمتد أيضاً لتشمل أنبياء آخرين؛ مثل موسى، ونوح، وآدم، وغيرهم، عليهم جميعاً السلام.

فليس من السهل طبعاً نسيان قيام النجم «تشارلتون هيستون» بدور النبى موسى فى فيلم «الوصايا العشر»، الذى أخرجه «سيسل ديميل» عام 1956، وتم تصوير أجزاء منه فى مصر، ولا قيام «راسل كرو» بتمثيل دور النبى نوح فى الفيلم الذى يحمل الاسم نفسه، والذى تم إنتاجه عام 2014.

لا يمكن بالطبع أن ننسى فى هذا الصدد أن الدراما الإيرانية سبق أن أنتجت مسلسلاً عن النبى يوسف، عليه السلام، وهو المسلسل الذى أثار جدلاً كبيراً وتم منع عرضه فى عدد من الدول العربية.

لدينا أيضاً واقعة فيلم «الرسالة» الذى أنتجه وأخرجه المخرج السورى العالمى مصطفى العقاد عام 1976، فى نسختين إحداهما عربية والأخرى إنجليزية، وتم تجسيد عدد من الصحابة الكرام فيه، حيث لعب النجم الراحل عبدالله غيث دور حمزة عم الرسول الكريم فى النسخة العربية، ولعب «أنتونى كوين» الدور نفسه فى النسخة الإنجليزية.

ثمة واقعة أخرى ذات دلالة يجب إيرادها فى هذا السياق، وهى واقعة فيلم «براءة المسلمين» أو «محاربو الصحراء»، الذى أنتجه وأخرجه مخرج أمريكى من أصل مصرى، وتم عرضه عام 2012، وترتب على ذلك أحداث عنف وتظاهرات شملت دولاً عدة، وشهدت ذروتها فى ليبيا حيث تم قتل أربعة دبلوماسيين أمريكيين بينهم السفير.

لقد كان الفيلم مسيئاً بحق الرسول الكريم (ص)، لكنه كان ضعيفاً فنياً وإنتاجياً بدرجة كبيرة، ولم يتم الالتفات إليه أو التوسع فى مشاهدته إلا بعد موجة العنف والتظاهرات والاحتجاجات التى صاحبت عرضه.

سيمكننا ببساطة من هذا الاستعراض لتلك المعلومات المباشرة الواضحة أن نثبت عدداً من الفرضيات على النحو التالى:

أولاً: السينما العالمية والإقليمية تنتج، وستنتج، مئات الأعمال التى تتناول الأديان والتى تجسد شخصيات ذات قداسة لدى أتباعها، وهذا الأمر سيستمر ولن يتوقف.

ثانياً: لا تتأثر الأديان بتلك الأفلام والأعمال الفنية تأثراً مباشراً، ولا يمكن أن يهدم فيلم ديناً أو ينال منه أو يؤثر فى درجة نموه أو يغير من طبيعة ذلك النمو.

ثالثاً: الأعمال الإبداعية منخفضة القيمة والمسيئة للرسل والشخصيات المقدسة تزدهر بسبب المعارضة والمنع والقمع، وتنزوى ويتم نسيانها بالتجاهل وعدم الاكتراث.

رابعاً: الأعمال الإبداعية التى تتناول الشخصيات ذات القداسة قد تنطوى على أهداف دعوية أو نقدية أو تكفيرية أو ترويجية أو تجريحية، وتلك الأهداف لا تتحقق كما يريد أصحابها بالضبط، وإلا لاندثرت الأديان وفقدت قداستها، أو اختفى الملحدون، كما أن تضاد تلك الأعمال وتنوع مقاصدها وتباين مستوياتها الفنية يوازن أثرها.

خامساً: المنع والتقييد لا يخدم الشخصية المقدسة، ولا يخدم الدين، ولا يخدم الفن والإبداع، كما أن إتاحة عرض الأعمال الجيدة أو المسيئة فى هذا الإطار لا يعنى أى إساءة للدين ولا للشخصيات ذات القداسة.

لذلك، فإن معارضة الأزهر الشريف فى مصر، أو اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء فى السعودية، لعرض الفيلم الإيرانى «محمد رسول الله»، للمخرج مجيد مجيدى، يجب أن يعاد النظر فيها.