هوامش حول حملة « لا للأحزاب الدينية»!

صلاح عيسي الجمعة 28-08-2015 20:36

فى أواخر عام 2006 شاركت - لأول وآخر مرة - فى الوفد الصحفى الذى صحب الرئيس الأسبق حسنى مبارك فى رحلة إلى إسبانيا للمشاركة فى الاحتفال بمرور 600 سنة على رحيل العلامة «ابن خلدون».

فى صالون الطائرة، وفى أثناء اللقاء الذى عقده الرئيس مع الوفد الصحفى المرافق له، انتهزت الفرصة، لكى أطرح على الرئيس فكرة كنت ألح عليها فى كتاباتى آنذاك، بمناسبة الحوار الذى كان يدور أيامها حول الوجبة الثانية من تعديلات دستور 1971 التى جرت فى عهد مبارك.. فاقترحت على الرئيس نقل النص الذى يحظر قيام الأحزاب السياسية على أساس دينى من قانون الأحزاب إلى الدستور.

ورداً على سؤال الرئيس حول مبررات ذلك، أشرت إلى أن الدستور، كما هو معروف، هو أبوالقوانين، وإلى التناقض بين أحكام محاكم القضاء الإدارى بمجلس الدولة، بشأن مدى مخالفة استخدام بعض المرشحين للشعارات الدينية فى دعايتهم الانتخابية أثناء الانتخابات التى جرت عام 2005، فبينما ذهبت بعض هذه الأحكام إلى أن استخدام هذه الشعارات مخالف للنص الوارد فى قانون الأحزاب، ذهب بعضها الآخر إلى أنه مباح، استناداً إلى أن الدستور ينص على أن مبادئ الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع.. وبنقل المادة من قانون الأحزاب إلى الدستور، يحل هذا التناقض، ولا يجعل إحدى المادتين - وهى مادة القانون - فى مرتبة أدنى من الثانية، ولأن مواد الدستور تكمل بعضها البعض، ويفسر بعضها البعض، فالنص على أن الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع لا يعنى قيام أحزاب أو ممارسة نشاط سياسى على أساس دينى، طالما أن الدستور نفسه - وليس القانون - هو الذى يحظر ذلك.

وفضلاً عن ذلك، فقد كان من رأيى أن نقل هذه المادة من القانون إلى الدستور يشجع الأجنحة التى كانت تدعو آنذاك داخل تيار الإسلام السياسى إلى الاندماج فى العملية السياسية، وتأسيس أحزاب تمارس السياسة، على حسم المعركة مع الأجنحة المتشددة منه، التى كانت ترفض فكرة الحزبية من الأساس، ويساهم - بالتالى - فى إدماج هذا التيار فى الحياة السياسية، وفى تطوير أفكاره وتحديثها.

وبدا الرئيس مبارك ميالاً للفكرة، وبعد أسابيع صدرت التعديلات الدستورية لعام 2007، وقد شملت تعديل المادة الخامسة من دستور 1971، لتحظر مباشرة أى نشاط سياسى أو قيام أحزاب سياسية على أى مرجعية دينية أو أساس دينى.. وما كاد الإخوان المسلمون يتولون الحكم حتى جاء دستور 2012 ليلغى - فى المادة 6 منه - هذا النص ويكتفى بحظر تشكيل الأحزاب على أساس التفرقة بين المواطنين بسبب الجنس أو الأصل أو الدين.. ثم جاءت التعديلات الدستورية لعام 2014 لتعيد - فى المادة 74 منها - النص إلى ما كان عليه.

تذكرت هذه الوقائع، وأنا أتابع حملة «لا للأحزاب الدينية»، التى برزت الدعوة إليها خلال الأسبوعين الأخيرين، للمطالبة بحل الأحزاب القائمة على أساس دينى، وعددها - طبقاً لتقدير منظمى الحملة - 12 حزباً، يعتبر أقواها وأكثرها تنظيماً «حزب النور».. ويسعى القائمون على الحملة إلى حل هذه الأحزاب، عبر جمع توقيعات من المواطنين، يتوقعون أن تصل إلى 20 مليون توقيع.

وتستند الحملة إلى مبررات عديدة، من بينها أن هذه الأحزاب قد تشكلت جميعها خلال فترة التشوش والفوضى التى أعقبت ثورة 25 يناير، وبعد التعديلات التى أُدخلت على قانون الأحزاب، مما أتاح لمؤسسيها الفرصة للتحايل على القانون، والحصول على شرعية لنشاطها، باعتبارها أحزاباً سياسية مدنية، فى حين أنها فى جوهرها أحزاب دينية صرف، تخلط بين الدين والسياسة، وتنطلق من أرضية مذهبية وطائفية، بصرف النظر عن أنها نجحت فى أن تضم إلى مؤسسيها عدداً من المسيحيين الذين يختلفون مع قياداتهم الروحية، لأسباب تتعلق بالخلاف بينهم وبينها حول بعض قضايا قوانين الأحوال الشخصية.

وتدافع هذه الأحزاب - وفى مقدمتها حزب النور - عن نفسها بأنها كانت فى طليعة الذين عارضوا حكم الإخوان المسلمين، وشاركوا فى ثورة 30 يونيو، وأيدوا خارطة المستقبل، وساهموا فى صياغة التعديلات الدستورية وأيدوها خلال الاستفتاء عليها، وأعطوا أصواتهم فى الانتخابات الرئاسية للرئيس السيسى، ويؤكدون أن الحملة ضدهم وراءها منافسات انتخابية، بحكم أنهم الأكثر شعبية والأكثر تنظيماً لذلك يلجأ خصومهم إلى الزعم بأنهم أحزاب دينية أُسست على خلاف الدستور والقانون، لكى يتخلصوا منهم، داعين إياهم للاحتكام إلى صندوق الانتخابات.. ولا ينكر الطرف الآخر أن لديه مخاوف انتخابية من أن تعقد هذه الأحزاب، ومعظمها ينتمى إلى التيار السلفى، صفقات سرية مع جماعة الإخوان المسلمين، بهدف ضمان مقاعد تشكل كتلة مناوئة فى مجلس النواب القادم.

أما الحقيقة، التى لا تستطيع الأحزاب السلفية إنكارها، فهى أن زعمها اليوم أنها أحزاب مدنية ذات مرجعية إسلامية هو كذب صريح وقبيح، فقد كان الإخوان المسلمون يرفعون هذا الشعار قبل ثورة يناير، وظلوا يتاجرون به مع الداخل والخارج لعدة أسابيع بعدها، إلى أن أجبرهم السلفيون على التنازل عنه وإلا منعوا عنهم أصواتهم فى الانتخابات.

أما ما ينبغى أن يتنبه إليه الطرف الآخر، فهو أن الدستور يحظر حل الأحزاب السياسية إلا بحكم قضائى، وما ينبغى أن يتذكره الجميع أن قانون الأحزاب القائم لا ينطوى على أى نص يحدد الأفعال التى تعتبر ممارسة لنشاط سياسى على أساس دينى، يمكن أن يستند إليها القضاء فى الحكم بحل حزب من الأحزاب.

ويا لجنة الإصلاح التشريعى: صباح الخير بالليل!