حكومة الظل

نيوتن الجمعة 28-08-2015 20:36

تقديم سابق مستحق لرسالة مختلفة وردتنى، وعلى غير العادة، أضع التعليق قبل عرض الرسالة، لأنها تحمل أفكارا من شأنها تغيير الأمم. أفكارا تخلق مدناً فى الصحراء الجرداء. أفكارا تدفع للإنجاز. تبنى مطارات. تشيد موانئ حديثة وفنادق متطورة. توظف عمالة. تحقق النهضة. تجعل الأحلام حقيقة والخيال واقعاً.

عزيزى نيوتن

مع نشأة الديمقراطية فى إنجلترا تطور أسلوب المعارضة بتكوين حكومة موازية من داخل المعارضة، تنتقد وتقترح بدائل لكل ما يقوم به أعضاء الحكومة المنتخبة، سعياً بالطبع لتحفيز الناخبين على تبنى رؤية المعارضة فى المسائل التى تهم المواطن أملا فى الفوز بالانتخابات القادمة.

وكثيرا ما يتبنى الحزب الحاكم بعض آراء المعارضة بعد إعادة تغليفها لتظهر وكأنما هى من بنات أفكارهم وليست اقتباساً من المعارضة.

وإذا نظرنا إلى أحوالنا اليوم فى مصر فلا توجد أحزاب قادرة على المعارضة المفيدة، فلا يتوفر لديها أى كوادر أو حتى قاعدة بيانات تسمح لها بدراسة وتفنيد أداء الحكومة.

ونتيجة لهذا الغياب التام للرأى المعارض المبنى على أسس علمية وقاعدة معلومات دقيقة، فقد تبلّد لدى الحكومة الإحساس بأى جدوى من وراء حتى الاستماع للرأى الآخر، وهو ما نلاحظه من واقع الأمور وأُسلوب اتخاذ القرار. وقد أدى ذلك لمشكلة خطيرة وهى أن هذا التوجه أنتج كثرة من الأفراد الذين يعدون القرار للقيادة دون ذكر لأى أعراض جانبية أو إشارة ولو من بعيد لوجود معارضة لهذا القرار، وأسوأ وأخطر من هؤلاء تلك النوعية التى تبحث عن قرار يعتقدون أنه على هوى الحاكم قبل أن يكون على هوى الشعب أو لمصلحة الوطن.

والحل بعد هذه المقدمة الطويلة؟

البحث داخل منظومة الحكم عن حكومة الظل!! أى تشكيل جهاز معاون للرئاسة وظيفته الوحيدة مراجعة ودراسة البدائل وجمع آراء المعارضين من داخل وخارج كل وزارة وهيئة حكومية تنتقد منظومة العمل وقرارات وخطط الحكومة المختلفة، ثم عرض الآراء المعارضة على الرئيس من خلال وزير الظل (قد يكفينا وزير ظل لكل ٤ وزارات) ليراجع الرئيس الحكومة ويصحح مسارها أو يؤيده ويتبناه إن رأى ذلك بعد الاستماع لكل أوجه النظر.

وأين نجد أعضاء حكومة الظل؟

الرد ببساطة: أينما يتواجد من يمتلك المعلومة!! إن أكثر جهتين تعلمان ما يدور فى كواليس الوزارات وأروقة جهاز الحكم هما الرقابة الإدارية والمخابرات العامة، كما أنهما أيضاً أكثر جهازين مؤهلين لاختيار الأفراد القادرين على الحكم على خطط وقرارات الحكومة وإعطاء مرادفات لمتخذ القرار النهائى، خاصة أنهم دائماً متدخلون فى التعيينات. يوجد حالياً لكل وزارة ومحافظة أكثر من مختص من هذه الأجهزة يمكنهم فى أسابيع اقتراح أعضاء ينضمون إلى حكومة الظل، كما أنهم يعلمون أيضاً من يعارض ومن يداهن داخل أجهزة الدولة،

ولك أن تتخيل سعادة أعضاء حكومة الظل هذه، كل مرة يأخذ فيها الرئيس برأيهم فى موضوع بدلاً من القرار الحكومى المعروض عليه بالزينة المعهودة، والتى تجعله يبدو وكأنه القرار الحكيم المنقذ والخالى من أى توابع سيئة. وأغلب الظن أن حتى الحكومة سيتحسن أداؤها حين تعلم أن العرض على الرئيس سيخضع لتحليل بل لتفنيد، ولن يجرؤ مسؤول على إخفاء تفاصيل لو عرضت على الرئيس ما كان ليوافق على قرار أو مشروع، إذ إنه سيحاسب المسؤول إما لإخفائه لمعلومة أو لعدم معرفته بها.

أعتقد أن ترسيخ مبدأ المعارضة بهذا الأسلوب هو البداية السليمة لأول خطوة على طريق الديمقراطية، لأننا بعكس ما يحلم به الرومانسيون لن نصل إلى مصاف الدول المتقدمة التى تطورت على مدى قرون، لنتحول من أُسلوب حكم الفرد إلى الحكم الديمقراطى فى يوم وليلة، كما أنهم متناسون أننا مجتمع قنع شعبه لمدة ستة آلاف سنة بأن يقف وراء القائد الأوحد، بل عانى على مدى التاريخ من المآسى التى تأتى من جراء حاكم ضعيف لا يسيطر على مقاليد الحكم، أى أن الشعب فعلاً يريد قائداً وليس موظفاً بدرجة رئيس جمهورية. ولن يتغير هذا الشعب فى يوم وليلة أبداً، وربنا يوفق.

سميح ساويرس